فلما دعا العبادَ إلى النظر إلى آياته الموجبة لخشيته والإنابة إليه؛ أمر بما هو المقصود من ذلك، وهو الفرارُ إليه؛ أي: الفرار مما يكرهه الله ظاهراً وباطناً إلى ما يحبُّه ظاهراً وباطناً، فرارٌ من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن المعصية إلى الطاعة، من الغفلة إلى الذِّكر؛ فمن استكمل هذه الأمور؛ فقد استكمل الدين كلَّه، وزال عنه المرهوب، وحصل له غايةُ المراد والمطلوب. وسمى الله الرجوع إليه فراراً؛ لأنَّ في الرجوع إلى غيره أنواعَ المخاوف والمكاره، وفي الرجوع إليه أنواعَ المحابِّ والأمن والسرور والسعادة والفوزِ، فيفرُّ العبدُ من قضائه وقدره إلى قضائه وقدره، وكلُّ مَنْ خِفْتَ منه فررتَ منه إلاَّ الله تعالى؛ فإنَّه بحسب الخوف منه يكون الفرارُ إليه، {إنِّي لكُم منه نذيرٌ مبينٌ}؛ أي: منذرٌ لكم من عذاب الله ومخوِّفٌ بيِّن النذارة.