{أم خُلِقوا من غير شيءٍ أم هُمُ الخالقونَ}: وهذا استدلالٌ عليهم بأمرٍ لا يمكنهم فيه إلاَّ التسليمُ للحقِّ، أو الخروج عن موجب العقل والدين. وبيان ذلك أنهم منكرون لتوحيد الله، مكذِّبون لرسوله، وذلك مستلزمٌ لإنكار أنَّ الله خَلَقَهم، وقد تقرَّر في العقل مع الشرع أنَّ ذلك لا يخلو من أحد ثلاثة أمورٍ: إمَّا أنهم {خُلِقوا من غير شيءٍ}؛ أي: لا خالق خلقهم؛ بل وجدوا من غير إيجادٍ ولا موجدٍ؛ وهذا عينُ المحال. {أم هم الخالقونَ}: لأنفسِهم؛ وهذا أيضاً محالٌ؛ فإنَّه لا يتصوَّر أن يوجِدَ أحدٌ نفسَه. فإذا بطل هذان الأمران وبان استحالتُهما؛ تعيَّن القسم الثالثُ، وهو أنَّ الله هو الذي خلقهم. وإذا تعين ذلك؛ عُلِمَ أنَّ الله تعالى هو المعبودُ وحدَه، الذي لا تنبغي العبادة ولا تَصْلُح إلاَّ له تعالى.