لما ذكر تبارك وتعالى حالَ المكذِّبين لرسوله وأنَّ الآياتِ لا تنفع فيهم ولا تُجدي عليهم شيئاً؛ أنذرهم وخوَّفهم بعقوبات الأمم الماضية المكذِّبة للرسل وكيف أهلهكم اللهُ وأحلَّ بهم عقابه، فذكر قومَ نوحٍ؛ أول رسول بعثه الله إلى قوم يعبُدون الأصنام، فدعاهم إلى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، فامتنعوا من ترك الشرك، وقالوا: {لا تَذَرُنَّ آلهتكم ولا تَذَرُنَّ وَدًّا ولا سُواعاً ولا يَغوثَ ويَعوقَ ونَسْراً}، ولم يزل نوحٌ يدعوهم إلى الله ليلاً ونهاراً سرًّا وجهاراً، فلم يزدْهم ذلك إلاَّ عناداً وطغياناً وقدحاً في نبيِّهم، ولهذا قال هنا: {فكذَّبوا عبدَنا وقالوا مجنونٌ}: لزعمهم أنَّ ما هم عليه وآباؤهم من الشرك والضلال هو الذي يدلُّ عليه العقل، وأنَّ ما جاء به نوحٌ عليه السلام جهلٌ وضلالٌ لا يصدُر إلاَّ من المجانين، وكَذَبوا في ذلك، وقَلَبوا الحقائق الثابتة شرعاً وعقلاً ؛ فإنَّ ما جاء به هو الحقُّ الثابت الذي يرشد العقول النيِّرة المستقيمة إلى الهدى والنور والرُّشد، وما هم عليه جهلٌ وضلالٌ مبينٌ. وقوله: {وازْدُجِرَ}؛ أي: زجره قومه وعنَّفوه لما دعاهم إلى الله تعالى، فلم يكفِهِم قبَّحَهُمُ اللهُ عدمُ الإيمان به ولا تكذيبُهم إيَّاه، حتى أوصلوا إليه من أذيَّتهم ما قدروا عليه، وهكذا جميع أعداء الرسل هذه حالهم مع أنبيائهم.