{متَّكئين على رفرفٍ خضرٍ}؛ أي: أصحاب هاتين الجنتين متَّكأهم على الرفرف الأخضر، وهي الفرش التي تحت المجالس العالية، التي قد زادت على مجالسهم، فصار لها رفرفة من وراء مجالسهم؛ لزيادة البهاء وحسن المنظر، {وعبقريٍّ حسانٍ}: العبقريُّ نسبةً لكلِّ منسوج نسجاً حسناً فاخراً، ولهذا وصفها بالحسن الشامل لحسن الصفة و [حسن] المنظر ونعومة الملمس وهاتان الجنتان دون الجنتين الأولَيَيْن؛ كما نصَّ الله على ذلك بقوله: {ومن دونِهِما جنَّتانِ}، وكما وصف الأوليين بعدَّة أوصاف لم يصِفْ به الأخريين، فقال في الأوليين: {فيهما عينان تجريانِ}، وفي الأخريين: {عينان نضَّاختان}: ومن المعلوم الفرق بين الجارية والنضَّاخة، وقال في الأوليين: {ذواتا أفنانٍ}، ولم يقلْ ذلك في الأخريين، وقال في الأوليين: {فيهما من كلِّ فاكهةٍ زوجانِ}، وفي الأخريين: {فيهما فاكهةٌ ونخلٌ ورمانٌ}، وقد عُلِمَ ما بين الوصفين من التفاوت. وقال في الأوليين: {متَّكئين على فرشٍ بطائنها من إستبرقٍ وجنى الجنَّتين دانٍ}، ولم يقلْ ذلك في الأخريين، بل قال: {متكئينَ على رفرفٍ خضرٍ وعبقريٍّ حسانٍ}، وقال في الأوليين في وصف نسائهم وأزواجهم: {فيهن قاصراتُ الطرفِ [لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان]}، وفي الأخريين: {حور مقصوراتٌ في الخيام}، وقد عُلم التفاوت بين ذلك، وقال في الأوليين: {هل جزاءُ الإحسان إلاَّ الإحسانُ}، فدلَّ ذلك أنَّ الأوليين جزاء المحسنين، ولم يقل ذلك في الأخيرتين، ومجرَّد تقديم الأوليين على الأخريين يدلُّ على فضلهما. فبهذه الأوجه يُعْرَفُ فضلُ الأوليين على الأخريين، وأنهما معدَّتان للمقرَّبين من الأنبياء والصدِّيقين وخواصِّ عباد الله الصالحين، وأنَّ الأخريين معدَّتان لعموم المؤمنين. وفي كلٍّ من الجنات المذكورات ما لا عينٌ رأتْ ولا أذنٌ سمعتْ ولا خطر على قلب بشرٍ، وفيهنَّ ما تشتهيه الأنفسُ وتلذُّ الأعين، وأهلهنَّ في غاية الراحة والرضا والطمأنينة وحسن المأوى، حتى إنَّ كلَّ واحدٍ منهم لا يرى أحداً أحسن حالاً منه ولا أعلى من نعيمِهِ الذي هو فيه.