{والذين آمنوا باللهِ ورسلِهِ}: والإيمانُ عند أهل السُّنَّة ما دلَّ عليه الكتاب والسنة، هو قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح، فيشمل ذلك جميع شرائع الدين الظاهرة والباطنة، فالذين جمعوا [بين] هذه الأمور {هم الصدِّيقون}؛ أي: الذين مرتبتهم فوق مرتبة عموم المؤمنين ودون مرتبة الأنبياء. وقوله: {والشهداءُ عند ربِّهم لهم أجرُهم ونورُهم}؛ كما ورد في الحديث الصحيح: «إنَّ في الجنَّة مائةَ درجةٍ، ما بين كلِّ درجتين كما بين السماء والأرض، أعدَّها الله للمجاهدين في سبيله». وهذا يقتضي شدَّة علوِّهم ورفعتهم وقربهم من الله تعالى، {والذين كفروا وكَذَّبوا بآياتِنا أولئك أصحابُ الجحيم}: فهذه الآيات جمعت أصناف الخلق المتصدِّقين والصِّديقين والشهداء وأصحاب الجحيم، فالمتصدِّقون الذين [كان] جُلُّ عملهم الإحسان إلى الخلق وبذلُ النفع لهم بغاية ما يمكنهم، خصوصاً بالنفع بالمال في سبيل الله، والصِّدِّيقون هم الذين كمَّلوا مراتب الإيمان والعمل الصالح والعلم النافع واليقين الصادق، والشهداء هم الذين قاتلوا في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، وبَذَلوا أنفسَهم وأموالهم فَقُتِلوا، وأصحاب الجحيم هم الكفار الذين كذَّبوا بآيات الله. وبقي قسمٌ ذكرهم الله في سورة فاطر، وهم المقتصدون الذين أدَّوا الواجبات وتركوا المحرمات؛ إلاَّ أنَّهم حصل منهم بعض التقصير بحقوق الله وحقوق عباده؛ فهؤلاء مآلهم الجنة ، وإن حصل لبعضهم عقوبة ببعض ما فعل.