يقول تعالى: {لا تَجِدُ قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخرِ يوادُّونَ من حادَّ الله ورسولَه}؛ أي: لا يجتمع هذا وهذا، فلا يكون العبدُ مؤمناً بالله واليوم الآخر حقيقةً إلاَّ كان عاملاً على مقتضى إيمانه ولوازمه من محبَّةِ مَنْ قام بالإيمان وموالاته وبُغْضِ مَنْ لم يَقُمْ به ومعاداتِهِ، ولو كان أقربَ الناس إليه، وهذا هو الإيمان على الحقيقة، الذي وجدت ثمرته والمقصود منه، وأهل هذا الوصف هم الذين {كَتَبَ} الله {في قلوبهم الإيمان}؛ أي: رسمه وثبَّته وغرسه غرساً لا يتزلزلُ ولا تؤثِّر فيه الشُّبه والشُّكوك، وهم الذين قواهم الله {بروح منه}؛ أي: بوحيه ومعونته ومدده الإلهي وإحسانه الرباني وهم الذين لهم الحياة الطيبة في هذه الدار، ولهم جناتُ النعيم في دار القرار، التي فيها كلُّ ما تشتهيه الأنفس وتلذُّ الأعين وتختارُ، ولهم أفضل النعيم وأكبره ، وهو أنَّ اللهَ يُحِلُّ عليهم رضوانَه؛ فلا يسخطُ عليهم أبداً، ويرضَوْن عن ربِّهم بما يعطيهم من أنواع الكرامات ووافر المَثوبات وجزيل الهِبات ورفيع الدَّرجات؛ بحيث لا يَرَوْنَ فوق ما أعطاهم مولاهم غايةً ولا وراءه نهايةً، وأما مَنْ يزعُمُ أنَّه يؤمن بالله واليوم الآخر، وهو مع ذلك موادٌّ لأعداء الله محبٌّ لمن نَبَذَ الإيمان وراء ظهرِهِ؛ فإنَّ هذا إيمانٌ زعميٌّ لا حقيقة له؛ فإنَّ كلَّ أمرٍ لا بدَّ له من برهانٍ يصدِّقه؛ فمجرَّدُ الدعوى لا تفيدُ شيئاً ولا يصدَّقُ صاحبها. والحمد لله.