سورة الحشر تفسير السعدي الآية 2

هُوَ ٱلَّذِیۤ أَخۡرَجَ ٱلَّذِینَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ مِن دِیَـٰرِهِمۡ لِأَوَّلِ ٱلۡحَشۡرِۚ مَا ظَنَنتُمۡ أَن یَخۡرُجُواْۖ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمۡ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِنۡ حَیۡثُ لَمۡ یَحۡتَسِبُواْۖ وَقَذَفَ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَۚ یُخۡرِبُونَ بُیُوتَهُم بِأَیۡدِیهِمۡ وَأَیۡدِی ٱلۡمُؤۡمِنِینَ فَٱعۡتَبِرُواْ یَـٰۤأُوْلِی ٱلۡأَبۡصَـٰرِ ﴿٢﴾

تفسير السعدي سورة الحشر

ومن ذلك نصرُه لرسوله - صلى الله عليه وسلم - على الذين كفروا من أهل الكتاب من بني النضير حين غَدَروا برسوله فأخرجهم من ديارهم وأوطانهم التي ألِفوها وأحبوها، وكان إخراجهم منها أولَ حشرٍ وجلاءٍ كتبه الله عليهم على يد رسولِه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فجلوا إلى خيبر. ودلَّت الآية الكريمة أن لهم حشراً وجلاءً غير هذا؛ فقد وقع حين أجلاهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من خيبر، ثم عمرُ رضي الله عنه أخرج بقيتهم منها. {ما ظننتُم}: أيها المسلمون {أن يخرُجوا}: من ديارهم؛ لحصانتها ومنعتها وعزِّهم فيها، {وظنوا أنهم مانعتُهم حصونُهم من اللهِ}: فأعجبوا بها، وغرَّتْهم، وحسبوا أنهم لا يُنالون بها، ولا يقدِرُ عليها أحدٌ، وقدَرُ الله وراء ذلك كلِّه، لا تغني عنه الحصونُ والقلاعُ ولا تجدي فيه القوةُ والدفاع، ولهذا قال: {فأتاهمُ اللهُ من حيثُ لم يحتسِبوا}؛ أي: من الأمر والباب الذي لم يخطر ببالهم أن يُؤتَوا منه، وهو أنَّه تعالى: {قَذَفَ في قلوبِهِم الرعبَ}: وهو الخوف الشديدُ، الذي هو جند الله الأكبر، الذي لا ينفع معه عددٌ ولا عدةٌ ولا قوةٌ ولا شدةٌ؛ فالأمر الذي يحتسبونه، ويظنُّون أنَّ الخلل يدخل عليهم منه إن دخل، هو الحصون التي تحصَّنوا بها واطمأنتْ نفوسُهم إليها، ومن وَثِقَ بغير الله؛ فهو مخذولٌ، ومن ركن إلى غير الله؛ كان وبالاً عليه ، فأتاهم أمرٌ سماويٌّ نزل على قلوبهم، التي هي محلُّ الثبات والصبر أو الخور والضعف، فأزال قوَّتها وشدَّتها، وأورثها ضعفاً وخوراً وجبناً لا حيلة لهم في دفعه ، فصار ذلك عوناً عليهم، ولهذا قال: {يُخْرِبونَ بيوتَهم بأيديهِم وأيدي المُؤمِنينَ}، وذلك أنَّهم صالحوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - على أنَّ لهم ما حملتِ الإبلُ، فنقضوا لذلك كثيراً من سقوفهم التي استحسنوها، وسلَّطوا المؤمنين بسبب بغيهم على إخراب ديارِهِم وهدم حصونِهم، فهم الذين جَنَوا على أنفسهم وصاروا أكبر عونٍ عليها. {فاعْتَبِروا يا أولي الأبصارِ}؛ أي: البصائر النافذة والعقول الكاملة؛ فإنَّ في هذا معتبراً يُعْرَف به صنع الله [تعالى] في المعاندين للحقِّ، المتبعين لأهوائهم، الذين لم تنفعهم عزَّتهم ولا مَنَعَتْهم قوتُهم ولا حصَّنتهم حصونهم، حين جاءهم أمرُ الله؛ وصل إليهم النكال بذنوبهم، والعبرة بعموم المعنى لا بخصوص السبب؛ فإنَّ هذه الآية تدلُّ على الأمر بالاعتبار، وهو اعتبار النظير بنظيره، وقياس الشيء على ما يشابهه ، والتفكُّر فيما تضمَّنته الأحكام من المعاني والحكم التي هي محلُّ العقل والفكرة، وبذلك يكمُلُ العقل، وتتنور البصيرة، ويزداد الإيمان، ويحصل الفهم الحقيقيُّ.