ذلكم الذي خلق ما خلق وقدَّر ما قدَّر؛ {اللهُ ربُّكم}؛ أي: المألوهُ المعبودُ الذي يستحقُّ نهاية الذُّلِّ ونهاية الحبِّ، الربُّ الذي ربَّى جميع الخلق بالنعم، وصرف عنهم صنوف النقم، خالق كل شيءٍ لا إله إلا هو {فاعبدوه}؛ أي: إذا استقرَّ وثبت أنه الله الذي لا إله إلاَّ هو؛ فاصرِفوا له جميع أنواع العبادة، وأخلصوها لله، واقصدوا بها وجهه؛ فإنَّ هذا هو المقصود من الخلق الذي خُلِقوا لأجله، {وما خَلَقْتُ الجنَّ والإنسَ إلا لِيَعبُدُونِ}. {وهو على كل شيء وكيل}، أي: جميع الأشياء تحت وكالة الله وتدبيره خلقاً وتدبيراً وتصريفاً. ومن المعلوم أن الأمر المتصرَّف فيه يكون استقامته وتمامه وكمال انتظامه بحسب حال الوكيل عليه، ووكالته تعالى على الأشياء ليست من جنس وكالة الخلق؛ فإن وكالتهم وكالة نيابة، والوكيل فيها تابع لموكله، وأما الباري تبارك وتعالى؛ فوكالته من نفسه لنفسه، متضمنة لكمال العلم وحسن التدبير والإحسان فيه والعدل، فلا يمكن أحداً أن يستدرك على الله، ولا يرى في خلقه خللاً ولا فطوراً، ولا في تدبيره نقصاً وعيباً، ومن وكالته أنه تعالى توكَّل ببيان دينه وحفظه عن المزيلات والمغيِّرات، وأنه تولَّى حفظ المؤمنين وعصمتهم عما يزيل إيمانهم ودينهم.