وإنما أمر الله العباد بالأعمال الصالحة ونهاهم عن الأعمال السيئة رحمةً بهم وقصداً لمصالحهم، وإلاَّ؛ فهو الغني بذاته عن جميع مخلوقاته؛ فلا تنفعه طاعة الطائعين؛ كما لا تضره معصية العاصين. {إن يشأ يُذْهِبْكم}: بالإهلاك، {ويستخلِفْ من بعدِكم ما يشاء كما أنشأكم من ذُرِّيَّة قوم آخرين}: فإذا عرفتم بأنكم لا بدَّ أن تنتقلوا من هذه الدار كما انتقل غيركم، وترحلون منها وتخلونها لمن بعدكم كما رَحَلَ عنها مَنْ قبلكم وخلَّوها لكم؛ فَلِمَ اتَّخذتموها قراراً، وتوطنتم بها، ونسيتم أنها دار ممرٍّ، لا دار مقرٍّ وأن أمامكم داراً هي الدار التي جمعتْ كلَّ نعيم وسلمتْ من كلِّ آفة ونقص؟ وهي الدار التي يسعى إليها الأوَّلون والآخرون، ويرتحل نحوها السابقون واللاحقون، التي إذا وصلوها؛ فثم الخلودُ الدائم والإقامة اللازمة والغاية التي لا غاية وراءها والمطلوب الذي ينتهي إليه كل مطلوب والمرغوب الذي يضمحلُّ دونه كل مرغوب، هنالك والله ما تشتهيه الأنفس وتلذُّ الأعين ويتنافس فيه المتنافسون من لذَّة الأرواح وكثرة الأفراح ونعيم الأبدان والقلوب والقرب من علام الغيوب؛ فلله همةٌ تعلَّقت بتلك الكرامات، وإرادة سَمَتْ إلى أعلى الدرجات، وما أبخس حظَّ من رضي بالدُّون، وأدنى همة من اختار صفقة المغبون!