يقول تعالى لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم -: {قل}: لهؤلاء الذين حرَّموا ما أحلَّ الله: {تعالَوْا أتلُ ما حرَّمَ ربُّكم عليكم}: تحريماً عامًّا شاملاً لكل أحد، محتوياً على سائر المحرَّمات من المآكل والمشارب والأقوال والأفعال، {أن لا تشركوا به شيئاً}؛ أي: لا قليلاً ولا كثيراً. وحقيقة الشرك بالله أن يُعْبَدَ المخلوق كما يُعْبَدُ الله أو يعظَّمَ كما يعظَّمُ الله أو يصرفَ له نوعٌ من خصائص الربوبيَّة والإلهيَّة، وإذا تَرَكَ العبدُ الشرك كلَّه؛ صار موحِّداً مخلصاً لله في جميع أحواله؛ فهذا حقُّ الله على عباده: أن يعبُدوه ولا يشرِكوا به شيئاً. ثم بدأ بآكد الحقوق بعد حقه، فقال: {وبالوالدينِ إحساناً}: من الأقوال الكريمة الحسنة والأفعال الجميلة المستحسنة؛ فكلُّ قول وفعل يحصُلُ به منفعة للوالدين أو سرور لهما؛ فإنَّ ذلك من الإحسان، وإذا وُجِدَ الإحسان؛ انتفى العقوق، {ولا تقتلوا أولادكم}: من ذكور وإناث {من إملاق}؛ أي: بسبب الفقر وضيقكم من رزقهم؛ كما كان ذلك موجوداً في الجاهلية القاسية الظالمة، وإذا كانوا منهيِّين عن قتلهم في هذه الحال وهم أولادهم؛ فنهيهم عن قتلهم لغير موجب أو قتل أولاد غيرهم من باب أولى وأحرى. {نحن نرزُقُكم وإياهم}؛ أي: قد تكفَّلنا برزق الجميع، فلستم الذين ترزقون أولادكم، بل ولا أنفسكم، فليس عليكم منهم ضيق. {ولا تقرَبوا الفواحش}: وهي الذنوب العظام المستفحشة {ما ظهر منها وما بطن}؛ أي: لا تقربوا الظاهر منها والخفي أو المتعلق منها بالظاهر والمتعلق بالقلب والباطن، والنهي عن قربان الفواحش أبلغ من النهي عن مجرَّد فعلها؛ فإنه يتناول النهي عن مقدِّماتها ووسائلها الموصلة إليها. {ولا تقتُلوا النفس التي حرَّم الله}: وهي النفس المسلمة من ذكر وأنثى صغير وكبير بَرٍّ وفاجر: والكافرة التي قد عُصِمَتْ بالعهد والميثاق، {إلَّا بالحقِّ}: كالزاني المحصن والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة. {ذلكم}: المذكور، {وصَّاكم} [الله] {به لعلَّكم تعقِلون}: عن الله وصيَّته ثم تحفظونها ثم تراعونها وتقومونَ بها. ودلَّت الآية على أنه بحسب عقل العبد يكون قيامه بما أمر الله به.