{أو تقولوا لو أنَّا أنزِلَ علينا الكتابُ لَكُنَّا أهدى منهم}؛ أي: إما أن تعتذروا بعدم وصول أصل الهداية إليكم، وإما أن تعتذِروا بعدم كمالها وتمامها، فحصل لكم بكتابكم أصل الهداية وكمالها، ولهذا قال: {فقد جاءكم بينة من ربكم}: وهذا اسم جنسٍ يدخل فيه كل ما يبين الحق، {وهدىً}: من الضلالة، {ورحمةٌ}؛ أي: سعادة لكم في دينكم ودنياكم؛ فهذا يوجِبُ لكم الانقياد لأحكامه والإيمان بأخباره وأنَّ مَنْ لم يرفعْ به رأساً وكذَّب به؛ فإنه أظلم الظالمين. ولهذا قال: {فمَنْ أظلمُ ممَّن كذَّبَ بآيات الله وصَدَفَ عنها}؛ أي: أعرض ونأى بجانبه، {سنجزي الذين يصدِفونَ عن آياتنا سوءَ العذاب}؛ [أي: العذاب] الذي يَسوءُ صاحبه ويشقُّ عليه، {بما كانوا يصدِفونَ}: لأنفسهم ولغيرهم جزاءً لهم على عملهم السيئ، وما ربُّك بظلام للعبيد. وفي هذه الآيات دليلٌ على أنَّ علم القرآن أجلُّ العلوم وأبركُها وأوسعُها، وأنه به تحصُل الهداية إلى الصراط المستقيم هدايةً تامةً لا يحتاج معها إلى تخرُّص المتكلمين ولا إلى أفكار المتفلسفين ولا لغير ذلك من علوم الأوَّلين والآخرين. وأنَّ المعروف أنَّه لم ينزل جنسُ الكتاب إلا على الطائفتين؛ من اليهود والنصارى؛ فهم أهل الكتاب عند الإطلاق، لا يدخل فيهم سائر الطوائف؛ لا المجوس ولا غيرهم. وفيه ما كان عليه الجاهلية قبل نزول القرآن من الجهل العظيم وعدم العلم بما عند أهل الكتاب الذين عندهم، مادةُ العلم، وغفلتُهم عن دراسة كتبهم.