سورة الأنعام تفسير السعدي الآية 19

قُلۡ أَیُّ شَیۡءٍ أَكۡبَرُ شَهَـٰدَةࣰۖ قُلِ ٱللَّهُۖ شَهِیدُۢ بَیۡنِی وَبَیۡنَكُمۡۚ وَأُوحِیَ إِلَیَّ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ لِأُنذِرَكُم بِهِۦ وَمَنۢ بَلَغَۚ أَىِٕنَّكُمۡ لَتَشۡهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخۡرَىٰۚ قُل لَّاۤ أَشۡهَدُۚ قُلۡ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهࣱ وَ ٰ⁠حِدࣱ وَإِنَّنِی بَرِیۤءࣱ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ ﴿١٩﴾

تفسير السعدي سورة الأنعام

{قل} لهم لمَّا بيَّنَّا لهم الهدى وأوضحنا لهم المسالك: {أيُّ شيء أكبرُ شهادةً}: على هذا الأصل العظيم، {قل اللهُ} أكبرُ شهادةً؛ فهو {شهيدٌ بيني وبينَكم}؛ فلا أعظمَ منه شهادةً ولا أكبرَ، وهو يشهدُ لي بإقراره وفعلِهِ، فَيُقِرُّني على ما قلتُ لكم؛ كما قال تعالى: {ولو تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الأقاويل لأخَذْنا منه باليمين ثم لَقَطَعْنا منه الوتينَ}؛ فالله حكيمٌ قديرٌ، فلا يليق بحكمتِهِ وقدرتِهِ أن يقرَّ كاذباً عليه، زاعماً أنَّ الله أرسلَه ولم يرسِلْه، وأن الله أمره بدعوة الخلق ولم يأمره، وأن الله أباح له دماء من خالفَه وأموالهم ونساءهم وهو مع ذلك يصدِّقه بإقرارِهِ وبفعلِهِ، فيؤيِّده على ما قال بالمعجزاتِ الباهرةِ والآياتِ الظاهرة، وينصرُهُ ويخذِلُ مَن خالفه وعاداه؛ فأيُّ شهادةٍ أكبرُ من هذه الشهادة. وقوله: {وأُوْحيَ إليَّ هذا القرآن لأنذِرَكُم به ومَن بَلَغَ}؛ أي: وأوحى الله إليَّ هذا القرآن الكريم لمنفعتِكم ومصلحتِكم؛ لأنْذِرَكُم به من العقاب الأليم، والنّذارة إنما تكون بذكر ما ينذِرُهم به من الترغيب والترهيب وببيان الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة التي مَن قام بها فقد قَبِلَ النذارة؛ فهذا القرآن فيه النذارةُ لكم أيُّها المخاطَبون وكل مَن بَلَغَهُ القرآن إلى يوم القيامة؛ فإن فيه بيان كلِّ ما يُحتاج إليه من المطالب الإلهية. لما بيَّن تعالى شهادَته التي هي أكبر الشهادات على توحيدِهِ؛ قال: قلْ لهؤلاء المعارضين لخبر الله والمكذِّبين لرسله: {أئنَّكم لَتشهدونَ أنَّ مع الله آلهةً أخرى قل لا أشهدُ}؛ أي: إن شهدوا؛ فلا تشهدْ معهم، فوازنْ بين شهادةِ أصدق القائلين وربِّ العالمين، وشهادة أزكى الخلق المؤيَّدة بالبراهين القاطعة والحجج الساطعة على توحيد الله وحدَه لا شريك له، وشهادةِ أهل الشِّرك الذين مَرَجَتْ عقولُهم وأديانُهم وفَسَدَتْ آراؤهم وأخلاقهم وأضحكوا على أنفسهم العقلاءَ، بل خالفتْ شهادتُهم فِطَرَهم وتناقضتْ أقوالُهم على إثبات أنَّ مع الله آلهةً أخرى مع أنه لا يقومُ على ما خالفوه أدنى شُبهة فضلاً عن الحُجج، واختر لنفسك أيَّ الشهادتين إن كنت تعقلُ، ونحن نختارُ لأنفسنا ما اختارَه الله لنبيِّه الذي أمرنا الله بالاقتداء به فقال: {قلْ إنَّما هو إله واحدٌ}؛ أي: منفرد لا يستحقُّ العبوديَّة والإلهية سواه كما أنه المنفرد بالخلق والتدبير. {وإنني بريءٌ مما تشرِكون} به من الأوثان والأنداد وكل ما أُشْرِكَ به مع الله. فهذا حقيقة التوحيد: إثبات الإلهية لله، ونفيها عما عداه.