هذه الآية العظيمة من أعظم الآيات تفصيلاً لعلمه المحيط، وأنَّه شامل للغيوب كلِّها، التي يُطْلِعُ منها ما شاء من خلقه، وكثير منها طوى علمَهُ عن الملائكة المقرَّبين والأنبياء المرسلين فضلاً عن غيرهم من العالمين، وأنَّه يعلم ما في البراري والقفار من الحيوانات والأشجار والرمال والحصى والتراب، وما في البحار من حيواناتها ومعادنها وصيدها وغير ذلك مما تحتويه أرجاؤها ويشتمل عليه ماؤها. {وما تسقُطُ من ورقةٍ}: من أشجار البر والبحر والبلدان والقفر والدنيا والآخرة إلاَّ يعلمها، {ولا حبةٍ في ظلمات الأرض}: من حبوب الثمار والزُّروع وحبوب البذور التي يبذرها الخلقُ وبذور النوابت البريَّة التي ينشأ منها أصناف النباتات، {ولا رطبٍ ولا يابس}: هذا عموم بعد خصوص {إلَّا في كتابٍ مبينٍ}: وهو اللوحُ المحفوظُ؛ قد حواها واشتمل عليها، وبعضُ هذا المذكور يبهر عقول العقلاء، ويذهِلُ أفئدة النبلاء، فدلَّ هذا على عظمة الربِّ العظيم وسعته في أوصافه كلِّها، وأنَّ الخلق من أولهم إلى آخرهم لو اجتمعوا على أن يحيطوا ببعض صفاته؛ لم يكنْ لهم قدرةٌ ولا وسعٌ في ذلك، فتبارك الربُّ العظيم الواسع العليم الحميد المجيد الشهيد المحيط، وجلَّ مِن إلهٍ لا يُحْصي أحدٌ ثناءً عليه، بل هو كما أثنى على نفسِهِ وفوق ما يثني عليه عباده. فهذه الآية دلَّت على علمه المحيط بجميع الأشياء وكتابه المحيط بجميع الحوادث.