المقصود من العباد أن يُخْلِصوا لله الدين بأن يعبُدوه وحدَه لا شريك له ويبذُلوا مقدورَهم في مرضاتِهِ ومَحَابِّه، وذلك متضمِّن لإقبال القلب على الله وتوجُّهه إليه وكون سعي العبد نافعاً، وجِدًّا لا هزلاً، وإخلاصاً لوجه الله لا رياء وسمعة، هذا هو الدين الحقيقي الذي يُقالُ له: دينٌ، فأما من زعم أنه على الحقِّ، وأنه صاحب دين وتقوى، وقد اتَّخذ دينه لعباً ولهواً؛ بأنْ لَهَا قلبُهُ عن محبة الله ومعرفته، وأقبل على كلِّ ما يضرُّه، ولَهَا في باطله، ولعب فيه ببدنِهِ؛ لأن العمل والسعي إذا كان لغير الله؛ فهو لعبٌ؛ فهذا أمر الله تعالى أن يُتْرَكَ ويحذرَ ولا يغترَّ به، وتنظر حاله، ويحذر من أفعاله ، ولا يغتر بتعويقه عما يقرب إلى الله. {وذكِّر به}؛ أي: ذكِّر بالقرآن ما ينفع العباد أمراً وتفصيلاً وتحسيناً له بذكر ما فيه من أوصاف الحسن، وما يضرُّ العباد نهياً عنه وتفصيلاً لأنواعه وبيان ما فيه من الأوصاف القبيحة الشنيعة الداعية لتركِهِ، وكلُّ هذا لئلا تُبْسَلَ نفسٌ بما كَسَبَتْ؛ أي: قبل اقتحام العبد للذنوب وتجرُّئِهِ على علاَّم الغيوب واستمراره على ذلك المرهوب؛ فذكِّرْها وَعِظْهَا لترتدعَ وتنزجرَ وتكفَّ عن فعلها. وقوله: {ليس لها من دونِ الله وليٌّ ولا شفيعٌ}؛ أي: قبل أن تحيطَ بها ذنوبُها ثم لا ينفعُها أحدٌ من الخلق لا قريبٌ ولا صديقٌ ولا يتولاَّها من دون الله أحدٌ ولا يشفع لها شافعٌ. {وإن تَعْدِلْ كلَّ عَدْل}؛ أي: تفتدي بكل فداءٍ ولو بملء الأرض ذهباً {لا يُؤْخَذْ منها}؛ أي: لا يُقبل ولا يُفيد. {أولئك}: الموصوفون بما ذُكِرَ {الذين أُبْسِلوا}؛ أي: أهلِكوا وأيسوا من الخير، وذلك {بما كَسَبوا لهم شرابٌ من حميم}؛ أي: ماء حارٌّ قد انتهى حرُّه يَشْوي وجوههم ويقطع أمعاءهم {وعذابٌ أليمٌ بما كانوا يكفرون}.