يقول تعالى: لا أحد أعظم ظلماً ولا أكبر جُرماً ممَّن كَذَبَ على الله بأن نسب إلى الله قولاً أو حكماً وهو تعالى بريء منه، وإنما كان هذا أظلم الخلق؛ لأن فيه من الكذب وتغيير الأديان أصولها وفروعها ونسبة ذلك إلى الله ما هو من أكبر المفاسد، ويدخل في ذلك ادِّعاء النبوة، وأنَّ الله يوحي إليه، وهو كاذب في ذلك؛ فإنَّه مع كذبه على الله وجرأته على عظمته وسلطانه يوجب على الخلق أن يتَّبِعوه ويجاهِدَهم على ذلك ويستحلَّ دماء مَن خالفه وأموالهم. ويدخل في هذه الآية كلُّ من ادَّعى النبوة كمسيلمة الكذاب والأسود العنسي والمختار وغيرهم ممن اتصف بهذا الوصف. {ومن قال سأنزِلُ مثلَ ما أنزلَ الله}؛ أي: ومن أظلم ممَّن زعم أنه يقدر على ما يقدر الله عليه ويجاري الله في أحكامه ويشرعُ من الشرائع كما يشرعه الله. ويدخل في هذا كل من يزعم أنه يقدِرُ على معارضة القرآن، وأنَّه في إمكانه أن يأتي بمثله! وأي ظلم أعظمُ من دعوى الفقير العاجز بالذات الناقص من كل وجه، مشاركةَ القوي الغني الذي له الكمال المطلق من جميع الوجوه في ذاته وأسمائه وصفاته؟! ولما ذمَّ الظالمين؛ ذَكَرَ ما أعدَّ لهم من العقوبة في حال الاحتضار ويوم القيامة، فقال: {وَلَوْ تَرى إذ الظالمونَ في غَمَراتِ الموتِ}؛ أي: شدائدِهِ وأهواله الفظيعة وكُرَبه الشنيعة؛ لرأيت أمراً هائلاً وحالةً لا يقدر الواصف أن يصفها. {والملائكة باسطو أيديهم}: إلى أولئك الظالمين المحتضرينَ بالضَّرب والعذاب؛ يقولون لهم عند منازعة أرواحهم وقلقها وتعصِّيها عن الخروج من الأبدان: {أخْرِجوا أنفُسَكُم اليومَ تُجْزَوْنَ عذاب الهُونِ}؛ أي: العذاب الشديد الذي يُهينكم ويُذِلُّكم، والجزاء من جنس العمل؛ فإنَّ هذا العذاب {بما كُنتم تقولونَ على الله غير الحقِّ}: من كذبِكم عليه وردِّكم للحقِّ الذي جاءت به الرسل، {وكنتُم عن آياتِهِ تستكبرونَ}؛ أي: تَرَفَّعُون عن الانقياد لها والاستسلام لأحكامها. وفي هذا دليل على عذاب البرزخ ونعيمه؛ فإنَّ هذا الخطاب والعذاب الموجه إليهم إنما هو عند الاحتضار وقُبيل الموت وبعده. وفيه دليل على أن الرُّوح جسم يدخُلُ، ويخرُجُ، ويخاطَب، ويساكِن الجسد، ويفارقه.