{وإذا رَأوْا تجارةً أو لهواً انفضُّوا إليها}؛ أي: خرجوا من المسجد حرصاً على ذلك اللهو وتلك التجارة وتركوا الخير، {وتركوكَ قائماً}: تخطُبُ الناس، وذلك في يوم الجمعة، بينما النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس؛ إذ قَدِمَ المدينةَ عيرٌ تحمل تجارةً، فلمَّا سمع الناس بها وهم في المسجد؛ انفضُّوا من المسجد ، وتركوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يخطبُ استعجالاً لما لا ينبغي أن يُستعجل له وترك أدب، {قل ما عندَ الله}: من الأجر والثواب لمن لازم الخير وصَبَّرَ نفسَه على عبادة الله ، {خيرٌ من اللهوِ ومن التجارةِ}: التي وإن حَصَلَ منها بعض المقاصد؛ فإنَّ ذلك قليلٌ منقضٍ ، مفوتٌ لخير الآخرة، وليس الصبر على طاعة الله مفوتاً للرزق؛ {فإنَّ الله خير الرازقين}؛ فمن اتَّقى الله؛ رزقه من حيث لا يحتسب.
وفي هذه الآيات فوائد عديدة: منها: أنَّ الجمعة فريضةٌ على [جميع] المؤمنين يجب عليهم السعيُ إليها والمبادرة والاهتمام بشأنها. ومنها: أنَّ الخطبتين يوم الجمعة فريضةٌ يجب حضورهما؛ لأنَّه فسَّر الذِّكر هنا بالخطبتين، فأمر الله بالمضيِّ إليه والسعي له. ومنها: مشروعيَّة النداء للجمعة والأمر به. ومنها: النهي عن البيع والشراء بعد نداء الجمعة وتحريم ذلك، وما ذاك إلاَّ لأنَّه يفوِّتُ الواجبَ ويَشْغَلُ عنه ، فدلَّ ذلك على أنَّ كلَّ أمر وإنْ كان مباحاً في الأصل، إذا كان ينشأ عنه تفويت واجبٍ؛ فإنَّه لا يجوز في تلك الحال. ومنها: الأمر بحضور الخطبتين يوم الجمعة، وذمُّ مَنْ لم يحضُرْهما ، ومن لازِمِ ذلك الإنصاتُ لهما. ومنها: أنَّه ينبغي للعبد المقبل على عبادة الله وقت دواعي النفس لحضور اللهو والتجارات والشهوات، أن يُذَكِّرَها بما عند الله من الخيرات وما لمؤثِرِ رضاه على هواه.