يقول تعالى مخاطباً لنبيِّه [محمد]- صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين: {يا أيُّها النبيُّ إذا طلَّقْتُم النساءَ}؛ أي: [إذا] أردتم طلاقهنَّ، {فـ}: التمسوا لطلاقهنَّ الأمر المشروع، ولا تبادروا بالطَّلاق من حين يوجد سببه من غير مراعاةٍ لأمر الله، بل {طلِّقوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}؛ أي: لأجل عدَّتهن؛ بأن يطلِّقَها زوجها وهي طاهرٌ في طهرٍ لم يجامِعْها فيه؛ فهذا الطلاق هو الذي تكون العدَّة فيه واضحةً بيِّنة؛ بخلاف ما لو طلَّقَها وهي حائضٌ؛ فإنَّها لا تحتسب تلك الحيضة التي وقع فيها الطلاق، وتطول عليها العدَّة بسبب ذلك، وكذلك لو طلَّقَها في طهرٍ وطئ فيه؛ فإنَّه لا يؤمَن حملها، فلا يتبيَّن ولا يتَّضح بأيِّ عدَّةٍ تعتدُّ، وأمر تعالى بإحصاء العدَّة، أي: ضبطها بالحيض إن كانت تحيض، أو بالأشهر إن لم تكن تحيضُ وليست حاملاً؛ فإنَّ في إحصائها أداءً لحقِّ الله، وحق الزوج المطلِّق، وحقِّ من سيتزوجها بعد، وحقِّها في النفقة ونحوها؛ فإذا ضبطت عدَّتها؛ علمت حالها على بصيرةٍ، وعلم ما يترتّب عليها من الحقوق وما لها منها، وهذا الأمر بإحصاء العدَّة يتوجَّه للزوج وللمرأة إن كانت مكلَّفة، وإلاَّ؛ فلوليِّها. وقوله: {واتَّقوا الله ربَّكم}؛ أي: في جميع أموركم، وخافوه في حقِّ الزوجات المطلَّقات. فـ {لا تخرجوهنَّ من بيوتهنَّ}: مدة العدَّة، بل تلزم بيتها الذي طلَّقها زوجها وهي فيه. {ولا يَخْرُجْنَ}؛ أي: لا يجوز لهنَّ الخروج منها، أما النَّهي عن إخراجها؛ فلأنَّ المسكن يجب على الزوج للزوجة لتستكمل فيه عدَّتها التي هي حقٌّ من حقوقه، وأما النهي عن خروجها؛ فلما في خروجها من إضاعة حقِّ الزوج وعدم صونه، ويستمرُّ هذا النهي عن الخروج من البيوت والإخراج إلى تمام العدَّة. {إلاَّ أن يأتينَ بفاحشةٍ مُبَيِّنَةٍ}؛ أي: بأمر قبيح واضح موجبٍ لإخراجها؛ بحيث يُدْخِلُ على أهل البيت الضَّرر من عدم إخراجها؛ كالأذى بالأقوال والأفعال الفاحشة؛ ففي هذه الحال يجوز لهم إخراجُها؛ لأنَّها هي التي تسبَّبت لإخراج نفسها، والإسكانُ فيه جبرٌ لخاطرها ورفقٌ بها؛ فهي التي أدخلت الضرر عليها. وهذا في المعتدَّة الرجعيَّة، وأمَّا البائن؛ فليس لها سكنى واجبةٌ؛ لأنَّ السكنى تبعٌ للنفقة، والنفقة تجب للرجعيَّة دون البائن. {وتلك حدودُ الله}؛ أي: التي حدَّها لعباده وشرعها لهم وأمرهم بلزومها والوقوف معها، {ومن يتعدَّ حدودَ الله}: بأن لم يقف معها، بل تجاوَزها أو قصَّر عنها، {فقد ظلم نفسَه}؛ أي: بخسها حقَّها ، وأضاع نصيبه من اتِّباع حدود الله التي هي الصلاحُ في الدُّنيا والآخرة. {لاتَدْري لعلَّ الله يحدِثُ بعد ذلك أمراً}؛ أي: شرع الله العدَّة، وحدَّد الطلاق بها لحِكَم عظيمةٍ: فمنها: أنَّه لعلَّ الله يحدِثُ في قلب المطلِّق الرحمة والمودَّة، فيراجع من طلَّقها، ويستأنف عشرتها، فيتمكَّن من ذلك مدَّة العدة، أو لعلَّه يطلِّقها لسبب منها، فيزول ذلك السبب في مدَّة العدَّة، فيراجعها؛ لانتفاء سبب الطلاق. ومن الحِكَم أنَّها مدة التربُّص يُعلم براءة رحمها من زوجها.