وصار ذلك التحريمُ الصادرُ منه سبباً لشرع حكم عامٍّ لجميع الأمَّة، فقال تعالى: {قد فَرَضَ الله لكم تَحِلَّةَ أيمانِكم}: وهذا عامٌّ في جميع أيمان المؤمنين ؛ أي: قد شرع لكم وقدَّر ما به تَنْحَلُّ أيمانُكم قبل الحِنْثِ وما به تتكفَّر بعد الحنث، وذلك كما في قوله تعالى: {يا أيُّها الذين آمنوا لا تُحَرِّمُوا طيباتِ ما أحلَّ الله لكم ولا تَعْتَدَوا إنَّ الله لا يحبُّ المعتدين ... } إلى أن قال: {فكفَّارتُه إطعامُ عَشَرَةِ مساكين من أوسطِ ما تُطْعِمونَ أهليكم أو كِسْوَتُهم أو تحريرُ رقبةٍ فمن لم يَجِدْ فصيامُ ثلاثةِ أيَّام ذلك كفَّارةُ أيمانِكم إذا حَلَفْتُم}: فكلُّ مَنْ حرَّم حلالاً عليه من طعام أو شرابٍ أو سُرِّيَّة أو حلف يميناً بالله على فعلٍ أو ترك ثم حنثَ وأراد الحِنْثَ؛ فعليه هذه الكفارة المذكورة. وقوله: {واللهُ مولاكم}؛ أي: متولِّي أموركم ومربِّيكم أحسن تربيةٍ في أمر دينكم ودُنياكم وما به يندفعُ عنكم الشرُّ؛ فلذلك فرض لكم تَحِلَّةَ أيمانِكم لتبرأ ذِمَمُكم. {وهو العليم الحكيم}: الذي أحاط علمُه بظواهِرِكم وبواطِنِكم، وهو الحكيم في جميع ما خلقه وحكم به؛ فلذلك شرع لكم من الأحكام ما يعلم أنَّه موافقٌ لمصالحكم ومناسبٌ لأحوالكم.