{واتَّخذ قوم موسى مِن بعدِهِ من حُلِيِّهم عجلاً جسداً}: صاغه السامِرِيُّ وألقى عليه قبضةً من أثر الرسول فصار {له خُوارٌ} وصوتٌ، فعبدوه واتَّخذوه إلهاً، وقال: هذا إلهكم وإله موسى، فنسي موسى، وذهب يطلبه، وهذا من سفههم وقلة بصيرتهم؛ كيف اشتبه عليهم ربُّ الأرض والسماوات بعجل من أنقص المخلوقات؟! ولهذا قال مبيناً أنه ليس فيه من الصفات الذاتيَّة ولا الفعليَّة ما يوجِب أن يكون إلهاً: {ألم يَرَوْا أنَّه لا يكلِّمهم}؛ أي: وعدم الكلام نقصٌ عظيمٌ؛ فهم أكمل حالة من هذا الحيوان أو الجماد الذي لا يتكلَّم، {ولا يهديهم سبيلاً}؛ أي: لا يدلُّهم طريقاً دينيًّا ولا يحصِّل لهم مصلحةً دنيويَّةً؛ لأن من المتقرِّر في العقول والفطر أنَّ اتِّخاذَ إلهٍ لا يتكلم ولا ينفع ولا يضرُّ من أبطل الباطل وأسمج السفه، ولهذا قال: {اتَّخذوه وكانوا ظالمينَ}: حيث وضعوا العبادة في غير موضعها، وأشركوا بالله ما لم ينزِّل به سلطاناً. وفيها دليلٌ على أنَّ من أنكر كلام الله؛ فقد أنكر خصائص إلهيَّة الله تعالى؛ لأن الله ذكر أن عدم الكلام دليلٌ على عدم صلاحيَّة الذي لا يتكلَّم للإلهيَّة.