ومن تمام الإيمان بآيات الله معرفة معناها والعمل بمقتضاها، ومن ذلك اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - ظاهراً وباطناً في أصول الدين وفروعه: {الذين يتَّبِعون الرسول النبيَّ الأميَّ}: احترازٌ عن سائر الأنبياء؛ فإن المقصود بهذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب والسياق في أحوال بني إسرائيل، وأن الإيمان بالنبيِّ محمد - صلى الله عليه وسلم - شرطٌ في دخولهم في الإيمان، وأن المؤمنين به المتَّبعين هم أهل الرحمة المطلقة التي كتبها الله لهم، ووصفه بالأمي لأنَّه من العرب الأمة الأميَّة التي لا تقرأ ولا تكتب وليس عندها قبل القرآن كتاب. {الذي يجِدونَهُ مكتوباً عندَهم في التوراة والإنجيل}: باسمه وصفته التي من أعظمها وأجلِّها ما يدعو إليه وينهى عنه، وأنه {يأمُرُهم بالمعروف}: وهو كل ما عُرِفَ حسنُهُ وصلاحه ونفعه. {وينهاهم عن المنكر}: وهو كلُّ ما عرف قبحه في العقول والفطر، فيأمرهم بالصلاة والزكاة والصوم والحج وصلة الأرحام وبر الوالدين والإحسان إلى الجار والمملوك وبذل النفع لسائر الخلق والصدق والعفاف والبر والنصيحة وما أشبه ذلك، وينهى عن الشرك بالله وقتل النفوس بغير حق والزِّنا وشرب ما يسكر العقل والظلم لسائر الخلق والكذب والفجور ونحو ذلك؛ فأعظم دليل يدلُّ على أنه رسول الله ما دعا إليه وأمر به ونهى عنه وأحلَّه وحرَّمه؛ فإنه يُحِلُّ الطيبات: من المطاعم والمشارب والمناكح. {ويحرِّمُ عليهم الخبائث}: من المطاعم والمشارب والمناكح والأقوال والأفعال. {ويَضَعُ عنهم إصْرَهُم والأغلال التي كانت عليهم}؛ أي: ومِنْ وَصْفِهِ أنَّ دينه سهلٌ سَمْحٌ ميسَّر لا إصر فيه ولا أغلال ولا مشقات ولا تكاليف ثقال. {فالذين آمنوا به وعزَّروه}؛ أي: عظَّموه وبجَّلوه، {ونصروه واتَّبعوا النور الذي أنزلَ معه}: وهو القرآن الذي يُستضاء به في ظلمات الشَّكِّ والجهالات، ويقتدى به إذا تعارضت المقالات. {أولئك هم المفلحون}: الظافرون بخير الدُّنيا والآخرة، والناجون من شرِّهما؛ لأنَّهم أتوا بأكبر أسباب الفلاح، وأما مَن لم يؤمنْ بهذا النبيِّ الأميِّ، ويعزِّره، وينصره، ولم يتَّبع النور الذي أنزل معه؛ فأولئك هم الخاسرون.