هذا بيانٌ لعظيم جلاله وسعة أوصافه بأن له الأسماء الحسنى؛ أي: له كل اسم حسن، وضابطه أنه كل اسم دال على صفة كمال عظيمة، وبذلك كانت حسنى؛ فإنها لو دلَّت على غير صفة، بل كانت علماً محضاً؛ لم تكن حسنى، وكذلك لو دلَّت على صفة ليست بصفة كمال، بل إما صفة نقص أو صفة منقسمة إلى المدح والقدح؛ لم تكن حسنى؛ فكلُّ اسم من أسمائه دال على جميع الصفة التي اشتُقَّ منها، مستغرقٌ لجميع معناها، وذلك نحو: {العليم} الدال على أنَّ له علماً محيطاً عامًّا لجميع الأشياء فلا يخرج عن علمه مثقال ذرةٍ في الأرض ولا في السماء، و {الرحيم} الدال على أن له رحمة عظيمة واسعة لكلِّ شيء، و {القدير} الدال على أن له قدرة عامَّة لا يُعْجِزُها شيء ... ونحو ذلك. ومن تمام كونها حسنى أنَّه لا يُدعى إلا بها، ولذلك قال: {فادعوه بها}: وهذا شاملٌ لدعاء العبادة ودعاء المسألة، فيُدعى في كل مطلوب بما يناسب ذلك المطلوب، فيقول الداعي مثلاً: اللهمَّ! اغفر لي، وارحمني؛ إنك أنت الغفور الرحيم. وتب عليَّ يا توَّاب! وارزقني يا رزاق! والطفْ بي يا لطيف! ونحو ذلك. وقوله: {وَذَروا الذين يُلحِدون في أسمائِهِ سيُجْزَوْن ما كانوا يعملون}؛ أي: عقوبة وعذاباً على إلحادهم في أسمائه. وحقيقة الإلحاد: الميلُ بها عما جُعِلَتْ له، إمَّا بأن يسمَّى بها من لا يستحقُّها؛ كتسمية المشركين بها لآلهتهم، وإما بنفي معانيها وتحريفها وأن يجعل لها معنى ما أراده الله ولا رسوله، وإما أن يشبِّه بها غيرها؛ فالواجب أن يُحذر الإلحاد فيها ويُحذر الملحدون فيها. وقد ثبت في الصحيح عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ لله تسعةً وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة».