{فلما آتاهما صالحاً}: على وَفْق ما طَلَبَا وتمَّت عليهما النعمة فيه، {جعلا له شركاء فيما آتاهما}؛ أي: جعلا لله شركاء في ذلك الولد الذي انفرد الله بإيجاده والنعمة به وأقرَّ به أعين والديه، فعبَّداه لغير الله: إمّا أن يسمياه بعبد غير الله؛ كعبد الحارث وعبد العزَّى وعبد الكعبة ونحو ذلك، أو يشركا في الله في العبادة بعدما منَّ الله عليهما بما منَّ من النعم التي لا يحصيها أحدٌ من العباد، وهذا انتقالٌ من النوع إلى الجنس؛ فإنَّ أول الكلام في آدم وحواء، ثم انتقل [إلى] الكلام في الجنس، ولا شكَّ أنَّ هذا موجود في الذُّرية كثيراً؛ فلذلك قرَّرهم الله على بطلان الشرك، وأنهم في ذلك ظالمون أشدَّ الظلم، سواء كان الشرك في الأقوال أم في الأفعال؛ فإنَّ الخالق لهم من نفس واحدة، الذي خلق منها زوجها، وجعل لهم من أنفسهم أزواجاً، ثم جعل بينهم من المودَّة والرحمة ما يسكُنُ بعضُهم إلى بعض ويألفه ويلتذُّ به، ثم هداهم إلى ما به تحصل الشهوة واللَّذة والأولاد والنسل، ثم أوجد الذُّرية في بطون الأمهات وقتاً موقَّتاً تتشوَّف إليه نفوسهم ويدعون الله أن يخرِجَه سويًّا صحيحاً، فأتمَّ الله عليهم النعمة، وأنالهم مطلوبهم، أفلا يستحقُّ أن يعبدوه ولا يشركوا به في عبادته أحداً ويخلصوا له الدين؟!