وهذا أيضاً في بيان عدم استحقاق هذه الأصنام التي يعبُدونها من دون الله شيئاً من العبادة؛ لأنها ليس لها استطاعةٌ ولا اقتدارٌ في نصر أنفسهم ولا في نصر عابديها، وليس لها قوة العقل والاستجابة؛ فلو دعوتَها إلى الهدى؛ لم تهتدِ، وهي صورٌ لا حياة فيها، فتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرونَ حقيقةً؛ لأنهم صوَّروها على صور الحيوانات من الآدميين أو غيرهم، وجعلوا لها أبصاراً وأعضاءً؛ فإذا رأيتها؛ قلت: هذه حيَّة؛ فإذا تأملتها؛ عرفت أنها جمادات لا حراك بها ولا حياة؛ فبأيِّ رأي اتَّخذها المشركون آلهةً مع الله؟! ولأيِّ مصلحة أو نفع عكفوا عندها وتقرَّبوا لها بأنواع العبادات؟! فإذا عُرِفَ هذا؛ عُرِفَ أن المشركين وآلهتهم التي عبدوها ولو اجتمعوا وأرادوا أن يكيدوا من تولاَّه
فاطر السماوات والأرض متولِّي أحوال عباده الصالحين؛ لم يقدروا على كيده بمثقال ذرَّةٍ من الشرِّ؛ لكمال عجزهم وعجزها وكمال قوَّة الله واقتداره وقوَّة من احتمى بجلاله وتوكَّل عليه، وقيل: إنَّ معنى قوله:
{وتَراهُم ينظُرونَ إليكَ وهم لا يبصِرونَ}: إنَّ الضمير يعود إلى المشركين المكذِّبين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتحسبهم ينظُرون إليك يا رسول الله نظر اعتبارٍ يتبيَّن به الصادق من الكاذب، ولكنهم لا يبصرون حقيقتك وما يتوسَّمه المتوسِّمون فيك من الجمال والكمال والصدق.