{فتولَّى عنهم}: صالحٌ عليه السلام حين أحلَّ الله بهم العذاب، {وقال}: مخاطباً لهم توبيخاً وعتاباً بعدما أهلكهم الله: {يا قوم لقد أبلغتُكُم رسالةَ ربِّي ونصحتُ لكم}؛ أي: جميع ما أرسلني الله به إليكم قد أبلغتُكم به وحرصت على هدايتكم واجتهدتُ في سلوككم الصراط المستقيم والدين القويم، {ولكن لا تحبُّونَ الناصحين}: بل رددتُم قول النُّصحاء، وأطعتم كلَّ شيطان رجيم. واعلم أن كثيراً من المفسِّرين يذكرون في هذه القصة أنَّ الناقة خرجت من صخرةٍ صماء ملساء اقترحوها على صالح، وأنها تمخَّضت تمخُّض الحامل، فخرجت الناقة وهم ينظرون، وأن لها فصيلاً حين عقروها رغى ثلاث رغيات وانفلق له الجبل ودخل فيه، وأن صالحاً عليه السلام قال لهم: آية نزول العذاب بكم أن تصبحوا في اليوم الأول من الأيام الثلاثة ووجوهكم مصفرَّة، واليوم الثاني محمرَّة، والثالث مسودَّة، فكان كما قال. وهذا من الإسرائيليات التي لا ينبغي نقلها في تفسير كتاب الله، وليس في القرآن ما يدلُّ على شيء منها بوجه من الوجوه، بل لو كانت صحيحةً لَذَكَرها الله تعالى؛ لأن فيها من العجائب والعبر والآيات ما لا يهمله تعالى ويدع ذِكْرَهُ حتى يأتي من طريق مَنْ لا يوثَق بنقله، بل القرآن يكذِّب بعض هذه المذكورات؛ فإنَّ صالحاً قال لهم: {تمتَّعوا في دارِكُم ثلاثة [أيام]}؛ أي: تنعَّموا وتلذَّذوا بهذا الوقت القصير جدًّا؛ فإنه ليس لكم من المتاع واللَّذَّة سوى هذا، وأيُّ لذَّة وتمتُّع لمن وعدهم نبيُّهم وقوع العذاب وذكر لهم وقوع مقدِّماته فوقعت يوماً فيوماً على وجهٍ يعمُّهم ويشمُلهم؛ لأن احمرار وجوههم واصفرارها واسودادها من العذاب؟! هل هذا إلا مناقض للقرآن ومضادٌّ له؟! فالقرآن فيه الكفاية والهداية عن ما سواه. نعم؛ لو صحَّ شيء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما لا يناقض كتاب الله؛ فعلى الرأس والعين، وهو مما أمر القرآن باتباعه: {وما آتاكُمُ الرسولُ فُخذوه وما نهاكم عنه فانتَهوا}. وقد تقدَّم أنه لا يجوز تفسير كتاب الله بالأخبار الإسرائيليَّة، ولو على تجويز الرواية عنهم بالأمور التي لا يُجْزَمُ بكذِبِها؛ فإنَّ معاني كتاب الله يقينيَّة، وتلك أمور لا تصدَّق ولا تكذَّب؛ فلا يمكن اتفاقهما.