{قدِ افتَرَيْنا على الله كذباً إن عُدْنا في ملَّتكم بعد إذ نجَّانا الله منها}؛ أي: اشهدوا علينا أننا إن عُدنا [فيها] بعد ما نجَّانا الله منها وأنقذنا من شرِّها أننا كاذبون مفترون على الله الكذب؛ فإننا نعلمُ أنه لا أعظم افتراء ممَّن جعل لله شريكاً وهو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يتَّخذ صاحبة ولا ولداً ولا شريكاً في الملك. {وما يكونُ لنا أن نعودَ فيها}؛ أي: يمتنع على مثلنا أن نعودَ فيها؛ فإنَّ هذا من المحال، فآيَسَهم عليه الصلاة والسلام من كونه يوافقهم من وجوهٍ متعددةٍ. من جهة أنهم كارهون لها مبغضون لما هم عليه من الشرك. ومن جهة أنه جعل ما هم عليه كذباً وأشهدهم أنه إنِ اتَّبَعَهم ومن معه فإنَّهم كاذبون. ومنها اعترافُهم بمنَّة الله عليهم إذ أنقذهم الله منها، ومنها أنَّ عودَهم فيها بعدما هداهم الله من المحالات بالنظر إلى حالتهم الراهنة وما في قلوبهم من تعظيم الله تعالى والاعتراف له بالعبوديَّة وأنه الإله وحده الذي لا تنبغي العبادة إلاَّ له وحده لا شريك له، وأنَّ آلهة المشركين أبطل الباطل وأمحل المحال، وحيث إنَّ اللهَ منَّ عليهم بعقول يعرفون بها الحقَّ والباطل والهدى والضلال، وأما من حيث النظر إلى مشيئة الله وإرادته النافذة في خلقه التي لا خروجَ لأحدٍ عنها ولو تواترتِ الأسبابُ وتوافقت القوى؛ فإنَّهم لا يحكمون على أنفسهم أنهم سيفعلون شيئاً أو يتركونه، ولهذا استثنى: {وما يكونُ لنا أن نعودَ فيها إلا أن يشاء اللهُ ربُّنا}؛ أي: فلا يمكننا ولا غيرنا الخروج عن مشيئته التابعة لعلمه وحكمته، وقد {وَسِعَ ربُّنا كلَّ شيءٍ علماً}: فيعلم ما يصلُح للعباد، وما يدبِّرُهم عليه. {على الله توكَّلْنا}؛ أي: اعتمدنا أنه سيثبِّتنا على الصراط المستقيم، وأن يعصِمَنا من جميع طرق الجحيم؛ فإن من توكَّل على الله كفاه ويسَّر له أمر دينه ودنياه. {ربَّنا افتحْ بينَنا وبين قومِنا بالحقِّ}؛ أي: انصر المظلوم وصاحب الحق على الظالم المعاند للحق، {وأنت خيرُ الفاتحين}: وفتحُهُ تعالى لعباده نوعان: فتحُ العلم بتبيين الحقِّ من الباطل والهدى من الضلال ومَنْ هو المستقيمُ على الصراط ممَّن هو منحرفٌ عنه. والنوع الثاني: فتحُهُ بالجزاء وإيقاع العقوبة على الظالمين، والنجاة والإكرام للصالحين. فسألوا الله أن يفتحَ بينَهم وبين قومهم بالحقِّ والعدل، وأن يريَهم من آياتِهِ وعِبَرِهِ ما يكون فاصلاً بين الفريقين.