{قال نوحٌ}: شاكياً لربِّه: إنَّ هذا الكلام والوعظ والتَّذكير ما نَجَعَ فيهم ولا أفاد: {إنَّهم عَصَوْني}: فيما أمرتُهم به، {واتَّبعوا مَنْ لم يَزِده مالُه وولدُه إلاَّ خساراً}؛ أي: عَصَوُا الرسول الناصح الدالَّ على الخير، واتَّبعوا الملأ والأشراف الذين لم تَزِدْهم أموالُهم ولا أولادُهم إلاَّ خساراً؛ أي: هلاكاً وتفويتاً للأرباح؛ فكيف بِمَنِ انقادَ لهم وأطاعهم؟! {ومكروا مَكْراً كُبَّاراً}؛ أي: مكراً كبيراً بليغاً في معاندة الحقِّ. قالوا لهم داعين إلى الشرك مزينين له: {لا تَذَرُنَّ آلهتكم}: فدعوهم إلى التعصُّب على ما هم عليه من الشرك، وأن لا يَدَعوا ما عليه آباؤهم الأقدمون، ثم عيَّنوا آلهتهم، فقالوا: {ولا تَذَرُنَّ ودًّا ولا سُواعاً ولا يَغوثَ ويعوقَ ونَسْراً}: وهذه أسماء رجال صالحين؛ لما ماتوا؛ زيَّن الشيطان لقومهم أن يصوِّروا صورهم؛ لينشطوا بزعمهم على الطاعةِ إذا رأوها، ثم طال الأمدُ، وجاء غير أولئك، فقال لهم الشيطانُ: إنَّ أسلافَكم يعبدونهم ويتوسَّلون بهم، وبهم يُسْقَوْن المطر، فعبدوهم، ولهذا وصَّى رؤساؤهم للتابعين لهم أن لا يَدَعوا عبادة هذه الأصنام ، {وقد أضلُّوا كثيراً}؛ أي: أضلَّ الكبار والرؤساء بدعوتهم كثيراً من الخلق. {ولا تزِدِ الظالمينَ إلاَّ ضلالاً}؛ أي: لو كان ضلالهم عند دعوتي إيَّاهم للحقِّ ؛ لكان مصلحةً، ولكن لا يزيدون بدعوة الرؤساء إلاَّ ضلالاً؛ أي: فلم يبق محلٌّ لنجاحهم وصلاحهم.