المزَّمِّل: المتغطي بثيابه كالمدَّثِّر، وهذا الوصف حصل من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أكرمه الله برسالته، وابتدأه بإنزال وحيه بإرسال جبريل إليه ، فرأى أمراً لم يَرَ مثلَه ولا يقدِرُ على الثَّبات عليه إلاَّ المرسلون، فاعتراه عند ذلك انزعاجٌ، حين رأى جبريلَ عليه السلام، فأتى إلى أهله، فقال: «زمِّلوني زمِّلوني»، وهو ترعَدُ فرائصُه، ثم جاءه جبريلُ، فقال: اقرأ. فقال: «ما أنا بقارئٍ». فغطه حتَّى بلغ منه الجهدَ، وهو يعالجه على القراءة، فقرأ - صلى الله عليه وسلم -. ثم ألقى الله عليه الثباتَ، وتابع عليه الوحيَ، حتى بَلَغَ مَبْلَغاً ما بَلَغَه أحدٌ من المرسلين؛ فسبحان الله ما أعظم التفاوت بين ابتداء نبوَّته ونهايتها! ولهذا خاطبه الله بهذا الوصف الذي وُجِدَ منه في أول أمره، فأمره هنا بالعباداتِ المتعلِّقة به، ثم أمره بالصبر على أذيَّة قومه ، ثم أمر بالصَّدْع بأمره وإعلان دعوتهم إلى الله، فأمره هنا بأشرف العبادات، وهي الصلاة، وبآكدِ الأوقات وأفضلها، وهو قيامُ الليل. ومن رحمته [تعالى] أنَّه لم يأمرْه بقيام الليل كلِّه، بل قال: {قم الليلَ إلاَّ قليلاً}. ثم قدَّر ذلك فقال: {نصفَه أو انقُصْ منه}؛ أي: من النصف {قليلاً}: بأن يكون الثلث ونحوه، {أو زِدْ عليه}؛ أي: على النصف، فيكون نحو الثلثين ، {ورتِّل القرآن ترتيلاً}؛ فإنَّ ترتيلَ القرآن به يحصُلُ التدبُّر والتفكُّر وتحريك القلوب به والتعبُّد بآياته والتهيُّؤ والاستعداد التامُّ له؛ فإنَّه قال: {إنَّا سنُلقي عليك قولاً ثقيلاً}؛ أي: نوحي إليك هذا القرآن الثقيل؛ أي: العظيمة معانيه، الجليلة أوصافه، وما كان بهذا الوصف حقيقٌ أن يُتَهَيَّأ له ويُرَتَّل ويُتَفَكَّر فيما يشتمل عليه.