فلمَّا بيَّن الله مآل المخالفين وبيَّن ما يفعل بهم؛ عطف على الموجودين بالعتاب واللوم، فقال: {فما لهم عن التَّذْكِرَةِ معرِضينَ}؛ أي: صادَّين غافلين عنها، {كأنَّهم}: في نفرتِهِم الشديدة منها {حمُرٌ مستنفرةٌ}؛ أي: [كأنّهم] حمُرُ وحشٍ نفرتْ؛ فنفَّر بعضُها بعضاً فزاد عَدْوُها، {فرَّتْ من قَسْوَرَةٍ}؛ أي: من صائدٍ ورامٍ يريدها أو من أسدٍ ونحوه، وهذا من أعظم ما يكون من النُّفور عن الحقِّ، ومع هذا النفور والإعراض يدَّعون الدَّعاوي الكبار؛ فيريد {كلُّ} واحد {منهم أن يُؤْتى صُحُفاً منشَّرةً}: نازلة عليه من السماء؛ يزعم أنَّه لا ينقاد للحقِّ؛ إلاَّ بذلك، وقد كذَّبوا؛ فإنَّهم لو جاءتهم كلُّ آيةٍ؛ لم يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم؛ لأنَّهم جاءتهم الآياتُ البيناتُ، التي تبيِّن الحقَّ وتوضِّحه؛ فلو كان فيهم خيرٌ؛ لآمنوا، ولهذا قال: {كلاَّ}؛ أي: لا نعطيهم ما طلبوا، وهم ما قصدوا بذلك إلاَّ التعجيز، {بل لا يخافونَ الآخرةَ}: فلو كانوا يخافونها؛ لما جرى منهم ما جرى.