يقول تعالى مبيناً دليلاً واضحاً لمنكري البعث ومستبعدي إعادة الله للأجساد: {أأنتُم}: أيُّها البشر، {أشدُّ خلقاً أم السماءُ}: ذات الجرم العظيم والخلق القويِّ والارتفاع الباهر، {بناها}: الله، {رفَعَ سَمْكَها}؛ أي: جرمها وصورتها. {فسوَّاها}: بإحكام وإتقانٍ يحيِّر العقول ويذهل الألباب، {وأغطشَ ليلَها}؛ أي: أظلمه، فعمَّت الظُّلمة جميع أرجاء السماء، فأظلم وجه الأرض، {وأخرج ضُحاها}؛ أي: أظهر فيه النُّور العظيم حين أتى بالشمس، فانتشر الناس في مصالح دينهم ودُنْياهم، {والأرضَ بعد ذلك}؛ أي: بعد خلق السماء {دحاها}؛ أي: أودع فيها منافعها، وفسر ذلك بقوله: {أخرج منها ماءها ومرعاها. والجبال أرساها}؛ أي: ثبَّتها بالأرض ، فدحى الأرض بعد خَلْق السماواتِ؛ كما هو نصُّ هذه الآيات الكريمة، وأمَّا خلق نفس الأرض؛ فمتقدِّم على خلق السماء؛ كما قال تعالى: {قل أإنَّكم لتكفرونَ بالذي خلق الأرضَ في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك ربُّ العالمين ... } إلى أن قال: {ثمَّ استوى إلى السَّماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرها قالتا أتينا طائعين. فقضاهنَّ سبع سمواتٍ ... }: فالذي خلق السماواتِ العظام وما فيها من الأنوار والأجرام والأرض الغبراء الكثيفة ، وما فيها من ضروريَّات الخلق ومنافعهم لا بدَّ أن يبعث الخلق المكلَّفين فيجازيهم بأعمالهم ؛ فمن أحسن؛ فله الحسنى، وَمن أساء؛ فلا يلومنَّ إلاَّ نفسه.