ولما كان الإيمانُ قسمين: إيماناً كاملاً يترتَّب عليه المدح والثناء والفوزُ التامُّ، وإيماناً دون ذلك؛ ذَكَرَ الإيمانَ الكامل، فقال: {إنما المؤمنون}: الألف واللام للاستغراق لشرائع الإيمان، {الذين إذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قلوبُهم}؛ أي: خافت ورهبت فأوجبت لهم خشية الله تعالى الانكفافَ عن المحارم؛ فإنَّ خوف الله تعالى أكبر علاماته أن يَحْجُزَ صاحبَه عن الذنوب. {وإذا تُلِيَتْ عليهم آياتُهُ زادتهم إيماناً}: ووجه ذلك أنَّهم يلقون له السمع ويحضِرون قلوبهم لتدبُّره؛ فعند ذلك يزيد إيمانهم؛ لأنَّ التدبُّر من أعمال القلوب، ولأنَّه لا بدَّ أنْ يبيِّن لهم معنىً كانوا يجهلونَه ويتذكَّرون ما كانوا نَسوه أو يُحْدِثَ في قلوبهم رغبةً في الخير واشتياقاً إلى كرامة ربِّهم أو وَجَلاً من العقوبات وازدجاراً عن المعاصي، وكلُّ هذا مما يزداد به الإيمان. {وعلى ربِّهم}: وحده لا شريك له {يتوكَّلون}؛ أي: يعتَمِدون في قلوبهم على ربِّهم في جلب مصالحهم ودفع مضارِّهم الدينيَّة والدنيويَّة، ويثقون بأنَّ الله تعالى سيفعلُ ذلك، والتوكُّل هو الحامل للأعمال كلِّها؛ فلا توجَدُ ولا تكْمُلُ إلا به.