فكما أنَّ إيمانهم هو الإيمان الحقيقي وجزاءهم هو الحقُّ الذي وعدهم الله به؛ كذلك أخرج الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - من بيته إلى لقاء المشركين في بدرٍ بالحقِّ الذي يحبُّه الله تعالى وقد قدَّره وقضاه، وإنْ كان المؤمنون لم يخطُرْ ببالهم في ذلك الخروج أنَّه يكون بينهم وبين عدوِّهم قتالٌ؛ فحين تبيَّن لهم أنَّ ذلك واقعٌ؛ جعل فريقٌ من المؤمنين يجادلون النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ويكرهون لقاء عدوِّهم كأنَّما يُساقونَ إلى الموت وهم ينظُرون! والحال أن هذا لا ينبغي منهم، خصوصاً بعدما تبيَّن لهم أن خروجهم بالحقِّ ومما أمر الله به ورضيه؛ فبهذه الحال ليس للجدال فيها محلٌّ؛ لأنَّ الجدال محلُّه وفائدته عند اشتباه الحقِّ والتباس الأمر، فأما إذا وَضَحَ وبان؛ فليس إلا الانقياد والإذعان. هذا؛ وكثير من المؤمنين لم يجرِ منهم من هذه
المجادلة شيءٌ ولا كرهوا لقاء عدوِّهم، وكذلك الذين عاتبهم الله انقادوا للجهاد أشدَّ الانقياد، وثبَّتهم الله، وقيَّض لهم من الأسباب ما تطمئنُّ به قلوبهم كما سيأتي ذكرُ بعضها.