يقول تعالى {وإن جنحوا}؛ أي: الكفار المحاربون؛ أي: مالوا إلى السَّلْم؛ أي: الصلح وترك القتال، {فاجنحْ لها وتوكَّلْ على الله}؛ أي: أجبهم إلى ما طلبوا متوكلاً على ربِّك؛ فإنَّ في ذلك فوائد كثيرةً: منها: أن طلب العافية مطلوبٌ كلَّ وقت؛ فإذا كانوا هم المبتدئين في ذلك؛ كان أولى لإجابتهم. ومنها: أن في ذلك إجماماً لِقُواكم واستعداداً منكم لقتالهم في وقت آخر إن احتيج إلى ذلك. ومنها: أنَّكم إذا أصلحتُم وأمن بعضكم بعضاً وتمكَّن كلٌّ من معرفة ما عليه الآخر؛ فإن الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه؛ فكلُّ مَن له عقلٌ وبصيرة إذا كان معه إنصافٌ؛ فلا بدَّ أن يؤثره على غيره من الأديان؛ لحسنه في أوامره ونواهيه، وحسنه في معاملته للخلق والعدل فيهم. وأنه لا جور فيه ولا ظلم بوجه؛ فحينئذ يكثر الراغبون فيه والمتَّبعون له، فصار هذا السلم عوناً للمسلمين على الكافرين.