ولكنْ مع هذا أبى الإنسان إلاَّ كُفوراً، ولهذا قال تعالى: {قُتِلَ الإنسانُ ما أكفَرَه}: لنعمة الله، وما أشدَّ معاندته للحقِّ بعدما تبيَّن، وهو؛ ما هو؟ هو من أضعفِ الأشياء، خلقه الله من ماء مَهين، ثم قدَّر خلقه وسوَّاه بشراً سويًّا، وأتقن قواه الظاهرة والباطنة، {ثم السَّبيلَ يَسَّرَه}؛ أي: يسَّر له الأسباب الدينيَّة والدنيويَّة، وهداه السبيل، وبيَّنه، وامتحنه بالأمر والنهي، {ثم أماتَه فأقْبَرَهُ}؛ أي: أكرمه بالدفن، ولم يجعلْه كسائر الحيوانات التي تكون جِيَفُها على وجه الأرض، {ثم إذا شاءَ أنشَرَه}؛ أي: بعثه بعد موته للجزاء؛ فالله هو المنفرد بتدبير الإنسان وتصريفه بهذه التَّصاريف، لم يشارِكْه فيه مشاركٌ، وهو مع هذا لا يقوم بما أمره الله، ولم يقضِ ما فرضه عليه، بل لا يزال مقصِّراً تحت الطلب!