يقول تعالى حثًّا للذين لا يصدِّقون الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولغيرهم من الناس أنْ يتفكَّروا في مخلوقات الله الدالَّة على توحيده. {أفلا ينظُرون إلى الإبل كيف خُلِقَتْ}؛ أي: ألا ينظُرون إلى خَلْقها البديع وكيف سخَّرها الله للعباد وذلَّلها لمنافعهم الكثيرة التي يضطَرُّون إليها؟ {وإلى الجبال كيف نُصِبَتْ}: بهيئةٍ باهرةٍ حصل بها الاستقرار للأرض وثباتُها من الاضطراب وأودع [الله] فيها من المنافع الجليلة ما أودع، {وإلى الأرض كيف سُطِحَتْ}؛ أي: مُدَّت مدًّا واسعاً، وسُهِّلت غاية التسهيل؛ ليستقرَّ العبادُ على ظهرها ويتمكَّنوا من حرثها وغراسها والبنيان فيها وسلوك طرقها. واعلم أنَّ تسطيحها لا ينافي أنَّها كرةٌ مستديرةٌ قد أحاطتِ الأفلاك فيها من جميع جوانبها كما دلَّ على ذلك النقل والعقل والحسُّ والمشاهدة؛ كما هو مذكورٌ معروفٌ عند كثيرٍ من الناس ، خصوصاً في هذه الأزمنة، التي وقف الناس على أكثر أرجائها بما أعطاهم الله من الأسباب المقرِّبة للبعيد؛ فإنَّ التسطيح إنَّما ينافي كرويَّة الجسم الصغير جدًّا، الذي لو سطح؛ لم يبق له استدارةٌ تُذْكَر، وأمَّا جسم الأرض الذي هو كبيرٌ جدًّا واسعٌ ، فيكون كرويًّا مسطحاً، ولا يتنافى الأمران كما يعرف ذلك أرباب الخبرة.