الظاهر أن المقسم عليه هو المقسَم به ، وذلك جائزٌ مستعملٌ إذا كان أمراً ظاهراً مهمًّا، وهو كذلك في هذا الموضع. أقسم تعالى بالفجر، الذي هو آخرُ الليل ومقدِّمة النهار؛ لما في إدبار الليل وإقبال النهار من الآيات الدالَّة على كمال قدرة الله تعالى، وأنَّه تعالى هو المدبِّر لجميع الأمور، الذي لا تنبغي العبادة إلاَّ له. ويقع في الفجر صلاةٌ فاضلةٌ معظَّمة يَحْسُنُ أن يُقسم الله بها، ولهذا أقسم بعده بالليالي العشر، وهي على الصحيح ليالي عشر رمضان أو عشر ذي الحجَّة ؛ فإنَّها ليالٍ مشتملةٌ على أيَّام فاضلةٍ، ويقع فيها من العبادات والقُرُبات ما لا يقع بغيرها. وفي ليالي عشر رمضان ليلة القدر، التي هي خيرٌ من ألف شهر، وفي نهارها صيامُ آخر رمضان، الذي هو أحد أركان الإسلام العظام. وفي أيَّام عشر ذي الحجَّة الوقوف بعرفة، الذي يغفر الله فيه لعباده مغفرةً يحزن لها الشيطان؛ فإنَّه ما رُئي الشيطان أحقر ولا أدحر منه في يوم عرفة ؛ لما يرى من تنزُّل الأملاك والرحمة من الله على عباده ، ويقع فيها كثيرٌ من أفعال الحجِّ و
العمرة، وهذه أشياء معظَّمة مستحقَّة أن يقسم الله بها،
{والليل إذا يَسْرِ}؛ أي: وقت سريانه وإرخائه ظلامه على العباد، فيسكنون ويستريحون ويطمئنُّون رحمةً منه تعالى وحكمةً.
{هل في ذلك}: المذكور،
{قَسَمٌ لذي حِجْرٍ}؛ أي: لذي عقل؟ نعم بعضُ ذلك يكفي لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيدٌ.