لما اختلف بعضُ المسلمين أو بعضُ المسلمين وبعضُ المشركين في تفضيل عِمارة المسجد الحرام بالبناء والصلاة والعبادة فيه وسقاية الحاجِّ على الإيمان بالله والجهاد في سبيله؛ أخبر الله تعالى بالتفاوتِ بينهما، فقال: {أجعلتُم سِقايةَ الحاجِّ}؛ أي: سقيهم الماء من زمزم؛ كما هو المعروف إذا أطلق هذا الاسم أنه المراد، {وعِمارةَ المسجدِ الحرام كمن آمَنَ بالله واليوم الآخر وجاهَدَ في سبيل الله لا يستوون عند الله}: فالجهادُ والإيمان بالله أفضلُ من سقاية الحاجِّ وعمارة المسجد الحرام بدرجاتٍ كثيرةٍ؛ لأنَّ الإيمان أصلُ الدين وبه تُقبل الأعمال وتزكو الخصال، وأمَّا الجهاد في سبيل الله؛ فهو ذروة سنام الدين، [الذي] به يُحفظ الدين الإسلامي ويتَّسع، ويُنْصَر الحقُّ ويُخْذَل الباطل، وأمَّا عِمارة المسجد الحرام وسقاية الحاجِّ؛ فهي، وإن كانت أعمالاً صالحةً؛ فهي متوقِّفة على الإيمان، وليس فيها من المصالح ما في الإيمان والجهاد؛ فلذلك قال: {لا يستوونَ عند الله واللهُ لا يَهْدي القوم الظالمين}؛ أي: الذين وَصْفُهُمُ الظلمُ، الذين لا يَصْلُحون لقبول شيء من الخير، بل لا يليق بهم إلا الشرُّ.