يقول تعالى محذِّراً للمنافقين أن يُصيبَهم ما أصابَ مَنْ قبلَهم من الأمم المكذِّبة؛
{قوم نوح وعادٍ وثمودَ وقوم إبراهيمَ وأصحاب مَدْيَنَ والمؤتفكاتِ}؛ أي: قرى قوم لوطٍ؛ فكلُّهم
{أتتهم رسلهم بالبيِّنات}؛ أي: بالحق الواضح الجليِّ المبيِّن لحقائق الأشياء، فكذَّبوا بها، فجرى عليهم ما قصَّ الله علينا؛ فأنتُم أعمالُكم شبيهةٌ بأعمالهم.
{استمتعتُم بخَلاقكم}؛ أي: بنصيبكم من الدنيا، فتناوَلْتموه على وجه اللَّذَّة والشهوة، معرضين عن المراد منه، واستعنتم به على معاصي الله، ولم تتعدَّ همَّتُكم وإرادتكم ما خُوِّلتم من النعم كما فعل الذين من قبلكم.
{وخضتُم كالذي خاضوا}؛ أي: وخضتم بالباطل والزُّور وجادلتم بالباطل لِتُدْحِضوا به الحقَّ؛ فهذه أعمالُهم وعلومهم: استمتاعٌ بالخَلاق، وخوضٌ بالباطل؛ فاستحقُّوا من العقوبة والإهلاك ما استحقَّ من قبلهم مِمَّن فعلوا كفعلهم، وأما المؤمنون فهم وإن استمتعوا بنصيبهم وما خُوِّلوا من الدُّنيا؛ فإنَّه على وجه الاستعانة به على طاعة الله، وأما علومهم؛ فهي علوم الرسل، وهي: الوصول إلى اليقين في جميع المطالب العالية، و
المجادلة بالحقِّ لإدحاض الباطل. قوله:
{فما كان اللهُ لِيَظْلِمَهم}: إذا وقع بهم من عقوبته ما أوقع،
{ولكن كانوا أنفسَهم يظلمِون}: حيث تجرؤوا على معاصيه، وعَصَوا رسلهم، واتبعوا أمر كل جبار عنيد.