{وسيجنبها الأتقى. الذي يؤتي مالَه يتزكَّى}: بأن يكون قصده به تزكية نفسه وتطهيرها من الذُّنوب والأدناس ، قاصداً به وجه الله تعالى. فدلَّ هذا على أنَّه إذا تضمَّن الإنفاق المستحبُّ ترك واجبٍ كدينٍ ونفقةٍ ونحوهما؛ فإنَّه غير مشروع، بل تكون عطيَّتُه مردودةً عند كثيرٍ من العلماء؛ لأنَّه لا يتزكَّى بفعلٍ مستحبٍّ يفوِّتُ عليه الواجبَ، {وما لأحدٍ عنده من نعمةٍ تُجْزى}؛ أي: ليس لأحدٍ من الخلق على هذا الأتقى نعمةٌ تُجزى؛ إلاَّ وقد كافأه عليها ، وربَّما بقي له الفضل والمنَّة على الناس، فتمحَّض عبداً للَّه؛ لأنه رقيق إحسانه وحده، وأما من بقيت عليه نعمةُ الناس فلم يجزِها ويكافئْها؛ فإنَّه لا بدَّ أن يترك للناس ويفعل لهم ما ينقص إخلاصه. وهذه الآية وإن كانت متناولةً لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، بل قد قيل: إنها نزلت بسببه ؛ فإنَّه رضي الله عنه ما لأحدٍ عنده من نعمةٍ تُجْزى، حتى ولا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إلاَّ نعمة الرسول، التي لا يمكن جزاؤها، وهي نعمة الدعوة إلى دين الإسلام وتعليم الهدى ودين الحقِّ؛ فإنَّ لله ورسولهِ المنَّة على كلِّ أحدٍ، منةً لا يمكنُ لها جزاء ولا مقابلة؛ فإنَّها متناولةٌ لكلِّ من اتَّصف بهذا الوصف الفاضل، فلم يبقَ لأحدٍ عليه من الخلق نعمةٌ تُجْزى، فبقيت أعمالُه خالصةً لوجه الله تعالى، ولهذا قال: {إلاَّ ابتغاءَ وجهِ ربِّه الأعلى. ولَسوفَ يرضى}: هذا الأتقى بما يعطيه الله من أنواع الكرامات والمثوبات.