فلما ذكر حكمه القدريَّ، وهو التدبيرُ العامُّ، وحكمَهُ الدينيَّ، وهو شرعه الذي مضمونه ومقصوده عبادته وحده لا شريك له؛ ذكر الحكمَ الجزائيَّ، وهو مجازاته على الأعمال بعد الموت، فقال: {إليه مرجِعُكم جميعاً}؛ أي: سيجمعكم بعد موتكم لميقاتِ يوم معلوم. {إنه يبدأ الخلق ثم يعيدُه}: فالقادر على ابتداء الخلق قادرٌ على إعادته، والذي يرى ابتداءه بالخلق ثم ينكِرُ إعادته للخلق؛ فهو فاقدُ العقل، منكرٌ لأحد المثلين؛ مع إثبات ما هو أولى منه؛ فهذا دليلٌ عقليٌّ واضحٌ على المعاد. ثم ذكر الدليل النقليَّ، فقال: {وَعْدَ الله حقًّا}؛ أي: وعدُه صادِقٌ لا بُدَّ من إتمامه، {ليجزِيَ الذين آمنوا}: بقلوبهم بما أمرهم الله بالإيمان به، {وعملوا الصالحاتِ}: بجوارِحِهم من واجباتٍ ومستحبَّاتٍ {بالقِسْطِ}؛ أي: بإيمانهم وأعمالهم جزاءً قد بيَّنه لعباده وأخبر أنه لا تعلم نفسٌ ما أخْفِيَ لهم من قُرَّةِ أعينٍ. {والذين كفروا}: بآيات الله، وكذَّبوا رسل الله {لهم شرابٌ من حميم}؛ أي: ماء حارٌّ يشوي الوجوه ويقطع الأمعاء، {وعذابٌ أليمٌ}: من سائر أصناف العذاب، {بما كانوا يكفُرون}؛ أي: بسبب كفرهم وظلمهم، وما ظَلَمَهُمُ الله ولكن أنْفُسَهم يظلِمون.