لما قرَّر ربوبيَّته وإلهيَّته؛ ذكر الأدلة العقليَّة الأفقيَّة الدالَّة على ذلك وعلى كماله في أسمائه وصفاته؛ من الشمس و
القمر والسماوات والأرض: وجميع ما خلق فيهما من سائر أصناف المخلوقات، وأخبر أنها آياتٌ
{لقوم يعلمون} و
{لقوم يتَّقون}؛ فإنَّ العلم يهدي إلى معرفة الدِّلالة فيها وكيفيَّة استنباط الدلائل على أقرب وجه، والتقوى تُحْدِثُ في القلب الرغبة في الخير والرهبة من الشرِّ، الناشِئَيْن عن الأدلَّة والبراهين وعن العلم واليقين. وحاصل ذلك أنَّ مجرَّد خلق هذه المخلوقات بهذه الصفة دالٌّ على كمال قدرة الله تعالى وعلمه وحياته وقيُّوميته، وما فيها من الإحكام والإتقان والإبداع والحُسْن دالٌّ على كمال حكمة الله وحسن خَلْقه وسعة علمِهِ، وما فيها من أنواع المنافع والمصالح ـ كجَعْل الشمس ضياءً و
القمر نوراً يحصل بهما من النفع الضروريِّ وغيره مما يحصُلُ ـ يدلُّ ذلك على رحمة الله تعالى واعتنائه بعبادِهِ وسَعَة برِّه وإحسانه، وما فيها من التخصيصات دالٌّ على مشيئة الله وإرادته النافذة، وذلك دالٌّ على أنه وحده المعبودُ المحبوبُ المحمودُ ذو الجلال والإكرام والأوصاف العظام، الذي لا تنبغي الرغبةُ والرهبةُ إلا إليه، ولا يُصْرَفُ خالصُ الدُّعاء إلا له لا لغيره من المخلوقات المربوبات المفتقِرات إلى الله في جميع شؤونها. وفي هذه الآيات الحثُّ والترغيب على التفكر في مخلوقات الله والنظر فيها بعين الاعتبار؛ فإنَّ بذلك تنفسح البصيرة ويزدادُ الإيمان والعقل وتقوى القريحة، وفي إهمال ذلك تهاونٌ بما أمر الله به، وإغلاقٌ لزيادة الإيمان، وجمودٌ للذهن والقريحة.