سورة القارعة تفسير مجالس النور الآية 2

مَا ٱلۡقَارِعَةُ ﴿٢﴾

تفسير مجالس النور سورة القارعة

المجلس الخامس والتسعون بعد المائتين: وما أدراك ما القارعة


سورة القارعة


سورة القارعة لها موضوعٌ واحدٌ فقط، وهو التذكير بالآخرة وما فيها من أهوالٍ وأحوالٍ، وحسابٍ وجزاءٍ، فتستهلُّ استهلالًا مباشرًا كأنَّه يُنذر بمداهمة الساعة ومجيئها على غفلةٍ من الخلق: ﴿ٱلۡقَارِعَةُ﴾ وهي هنا مبتدأٌ ينتظر الخبر، فيأتي خبَرُها سؤالًا سريعًا ومفاجِئًا ليزيدها إبهامًا، ويزيد السامع تشويقًا: ﴿مَا ٱلۡقَارِعَةُ﴾، ثم يتبع السؤالَ سؤالٌ آخر: ﴿وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ﴾، ثم يأتي الجوابُ وقد شَخصت الأنظار والأسماع لمعرفته: ﴿یَوۡمَ یَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلۡفَرَاشِ ٱلۡمَبۡثُوثِ ﴿٤﴾ وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ ٱلۡمَنفُوشِ﴾.
هذه هي القارِعة؛ أن تُفتَّت الجبال حتى تصِيرَ هباءً، فما بالُك بما هو دُون الجبال! وبعد هذا الخراب الشامِل، يأتي الحساب على ما قدّمه الإنسان في حياته على هذه الأرض، ويأتي مع الحساب الجزاء ﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَ ٰ⁠زِینُهُۥ ﭵفَهُوَ فِی عِیشَةࣲ رَّاضِیَةࣲ ﴿٧﴾ وَأَمَّا مَنۡ خَفَّتۡ مَوَ ٰ⁠زِینُهُۥ ﴿٨﴾ فَأُمُّهُۥ هَاوِیَةࣱ ﴿٩﴾ وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا هِیَهۡ ﴿١٠﴾ نَارٌ حَامِیَةُۢ﴾.


﴿ٱلۡقَارِعَةُ﴾ اسمٌ من أسماء القيامة؛ سُمِّيَت به لأنَّها تقَرع الناس وتصدمهم بأهوالها وشدائدها.
﴿مَا ٱلۡقَارِعَةُ ﴿٢﴾ وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ﴾ سؤالان قُصِدَ بهما تنبيهُ السامع إلى خطورة الأمر، وأنَّه مِمَّا يستوجِب السؤال عنه والاهتمام به.
﴿یَوۡمَ یَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلۡفَرَاشِ ٱلۡمَبۡثُوثِ﴾ صورةٌ لدهشة الناس وحَيرَتهم، والفَراش: حشراتٌ صغيرة طيَّارة، وقد يُطلَقُ على الجراد أيضًا، والمبثُوث أي: المنتشر.
﴿وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ ٱلۡمَنفُوشِ﴾ صورةٌ للخراب الذي يعمُّ الأرض؛ بحيث تكون الجبال كالصوف المنفوش المتطايِر الذي لا يستقرُّ في مكان.
﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَ ٰ⁠زِینُهُۥ﴾ بالطاعات والحسنات حتى غلَبَت ورجَحَت على سيئاته.
﴿فَهُوَ فِی عِیشَةࣲ رَّاضِیَةࣲ﴾ أي: عيشة يرضَى عنها، والمقصود بها: الجَنَّة ونعيمها.
﴿وَأَمَّا مَنۡ خَفَّتۡ مَوَ ٰ⁠زِینُهُۥ ﴿٨﴾ فلم يكن له عمل يرجُوه ويُثقِّل ميزانه؛ إمَّا لكونه مُفرِّطًا في الواجبات مُنهمِكًا في المُنكِرات، وإمَّا لكونه مَحبَط العمل بكفره وشركه.
﴿فَأُمُّهُۥ هَاوِیَةࣱ﴾ الهاوية هي ﴿نَارٌ حَامِیَةُۢ﴾ وقد الْتَبَسَ على بعضهم معنى ﴿فَأُمُّهُۥ﴾، والأقرب - والله أعلم - أنَّه شبَّهَ النارَ بالنسبة لهذا الشقيِّ بأُمِّه التي تحتضِنُه ولا توَدُّ فِراقَه، وهذا على سبيلِ التوبيخِ والتنكيلِ.