أقسم تعالى بالعصر، الذي هو الليل والنهار، محل أفعال العباد وأعمالهم؛ أن كلَّ إنسانٍ خاسرٌ، والخاسر ضدُّ الرابح، والخسار مراتبُ متعدِّدةٌ متفاوتةٌ: قد يكون خساراً مطلقاً؛ كحال من خسر الدُّنيا والآخرة، وفاته النعيم، واستحقَّ الجحيم. وقد يكون خاسراً من بعض الوجوه دون بعضٍ، ولهذا عمَّم اللهُ الخسار لكلِّ إنسانٍ؛ إلاَّ مَن اتَّصف بأربع صفات: الإيمان بما أمر اللَّه بالإيمان به، ولا يكون الإيمان بدون العلم؛ فهو فرع عنه لا يتم إلا به. والعمل الصالح، وهذا شاملٌ لأفعال الخير كلِّها، الظاهرة والباطنة، المتعلِّقة بحقوق الله وحقوق عباده، الواجبة والمستحبَّة. والتَّواصي بالحقِّ الذي هو الإيمان والعمل الصالح؛ أي: يوصي بعضُهم بعضاً بذلك، ويحثُّه عليه، ويرغِّبه فيه. والتَّواصي بالصَّبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المؤلمة. فبالأمرين الأولين يكمِّل العبد نفسه، وبالأمرين الأخيرين يكمِّل غيره، وبتكميل الأمور الأربعة يكون العبد قد سلم من الخسار وفاز بالرِّبح العظيم.