سورة الهمزة تفسير مجالس النور الآية 2

ٱلَّذِی جَمَعَ مَالࣰا وَعَدَّدَهُۥ ﴿٢﴾

تفسير مجالس النور سورة الهمزة

المجلس السادس والتسعون بعد المائتين: يحسب أن ماله أخلده


سورة الهمزة


على صِلةٍ بموضع سورة العصر، تأتي هذه السورة لتقدِّم نموذجًا مِن أولئك الخاسرين الهالكين الذين يقِفُون عقبةً بوجه المؤمنين الصالحين المُتواصِين بالحقِّ، والمُتواصِين بالصبر، إنَّه النموذج الذي لا يكُفُّ عن هَمْزِ المؤمنين ولَمزِهم ﴿وَیۡلࣱ لِّكُلِّ هُمَزَةࣲ لُّمَزَةٍ﴾.
من أولئك الذين يظنُّون أنَّ معيار النجاح والنجاة إنَّما هو بجمع المال والحطام الزائل، وتعداده والتفاخُر به ﴿ٱلَّذِی جَمَعَ مَالࣰا وَعَدَّدَهُۥ ﴿٢﴾ یَحۡسَبُ أَنَّ مَالَهُۥۤ أَخۡلَدَهُۥ﴾ أولئك هم الذين يتوعَّدهم الله بعذابه الشديد ﴿كَلَّا ۖ لَیُنۢبَذَنَّ فِی ٱلۡحُطَمَةِ ﴿٤﴾ وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحُطَمَةُ ﴿٥﴾ نَارُ ٱللَّهِ ٱلۡمُوقَدَةُ ﴿٦﴾ ٱلَّتِی تَطَّلِعُ عَلَى ٱلۡأَفۡـِٔدَةِ ﴿٧﴾ إِنَّهَا عَلَیۡهِم مُّؤۡصَدَةࣱ ﴿٨﴾ فِی عَمَدࣲ مُّمَدَّدَةِۭ﴾.


﴿وَیۡلࣱ لِّكُلِّ هُمَزَةࣲ لُّمَزَةٍ﴾ هذا وعيدٌ من الله لكلِّ مَن يُكثِرُ من الهَمز، ومعناه: الإشارة الخفيَّة بالانتقاص من الآخرين، وقد نزَلَت في مجموعة من مُشركي مَكَّة كانوا يلمِزُون رسولَ الله والمؤمنين به.
﴿لُّمَزَةٍ﴾ أي: كثير اللَّمْز، ومعناه: الانتقاص أيضًا؛ وجِيءَ به لتنويع اللفظ، وترسيخ المعنى، والفرقُ الذي يذكره المختصُّون في دقائق اللغة ليس بمؤثِّرٍ في النتيجة، ولا في المعنى العام.
﴿ٱلَّذِی جَمَعَ مَالࣰا وَعَدَّدَهُۥ﴾ إحصاءً له، وحرصًا عليه، ومُباهاةً به، وصيغة ﴿وَعَدَّدَهُۥ﴾ تُوحي بأنَّه يعدّ ماله مرةً بعد مرةٍ، كناية عن شدِّة ولَعِه به.
﴿یَحۡسَبُ أَنَّ مَالَهُۥۤ أَخۡلَدَهُۥ﴾ هذا على سبيل التوبيخِ له، بمعنى أنَّ مَن يرَى حِرصَه وكثرة عدِّه لمالِه يظنُّ فيه أنَّه يرَى في ماله سببًا في خلوده وإبعاد الموت عنه.
﴿كَلَّا ۖ لَیُنۢبَذَنَّ فِی ٱلۡحُطَمَةِ﴾ أي: أنَّه لن يُخلَّد، بل سيموت وسيُلقَى في جهنم، والحُطمةُ اسمٌ من أسمائها؛ لأنَّها تُحطِّمُ كلّ داخلٍ فيها، والتحطيم هنا هو العقوبة المناسبة لتكبُّرِهِ وهمزِهِ بالمؤمنين ولمزِهِ.
﴿وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحُطَمَةُ﴾ استفهامٌ يُقصَدُ به تعظيم ما يُستفهَمُ عنه، والتهويل من شأنه وخطره.
﴿نَارُ ٱللَّهِ ٱلۡمُوقَدَةُ﴾ أي: المُسعَّرة، وهذا هو جوابُ الاستفهام، وهذا هو معنى الحُطمة.
﴿ٱلَّتِی تَطَّلِعُ عَلَى ٱلۡأَفۡـِٔدَةِ﴾ بمعنى أنَّ لظاها ينفُذُ إلى أفئدتهم وأجوافهم.
﴿إِنَّهَا عَلَیۡهِم مُّؤۡصَدَةࣱ﴾ أي: مغلقةٌ فلا مخرَج منها ولا مفرّّ.
﴿فِی عَمَدࣲ مُّمَدَّدَةِۭ﴾ والعَمَدُ جمعٌ، مفردُه عَمُود، وهو معروفٌ، وموقِعُها في صورة جهنَّم - أعاذنا الله منها - رُبَّما له علاقة بأبواب جهنَّم وأسوارها المُؤصَدة عليهم، فتكون مُمدَّدة على طول جهنَّم ومُحيطها، ورُبَّما تكون لغَرضٍ آخر لا تتحصَّل لنا صورتُه وغايتُه، لكن الإخبار به يزيدُ من حالة الرَّهبة، وهذا هو المقصُود؛ إذ الغايةُ الكبرى لهذه الأخبار إنَّما هو الترهيبُ منها، ودفعُ الناس للنَّأْي بأنفسهم عن أسبابها وطُرُقها، والله أعلم.