﴿أَلَمۡ تَرَ كَیۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصۡحَـٰبِ ٱلۡفِیلِ﴾ الاستِفهام هنا تقريرِيٌّ لتواتر القصّة ومعرفة أهل مكَّة بها مَن حضر ومَن لم يحضر، فنزَلَ ذلك العِلم منزلة الرؤية، وأصحابُ
الفيل: هم جيش أبرهة الحبشي، واستعمال
الفيل في القتال لم تعهَده العرب، بل هو من صَنيع الفرس والأحباش؛ ولذلك اشتَهَرَت الوقعة باسم
الفيل.
﴿أَلَمۡ یَجۡعَلۡ كَیۡدَهُمۡ فِی تَضۡلِیلࣲ﴾ أي: في ضلالٍ وضياعٍ، رغم كثرتهم، وقوَّة جيشهم، واستِسلام العرب لهم.
﴿وَأَرۡسَلَ عَلَیۡهِمۡ طَیۡرًا أَبَابِیلَ﴾ كلمة طير تُطلَقُ على المفرد، وعلى الجمع، والمقصود بها هنا الجمع، والأبابيل اسم جمعٍ لا مفرد له، وهو بمعنى: جماعات، والأصل فيها أنَّها طيور على الحقيقة، ومن تأوَّلَها بالأمراض والجراثيم فقد أغرَبَ وتكلَّف التأويلَ بلا مسوِّغٍ إلَّا الاستِبعاد، والاستبعاد لا محلّ له هنا؛ لأنَّ المقام مقام بيان آيات الله وإعجازه لخلقه، وقدرةُ الله لا يحدُّها حدٌّ ولا سدٌّ.
﴿تَرۡمِیهِم بِحِجَارَةࣲ مِّن سِجِّیلࣲ﴾ مخصَّصة لهم، وقد وردَ ذِكر هذه الحجارة في قصة لوطٍ
عليه السلام:
﴿وَأَمۡطَرۡنَا عَلَیۡهَا حِجَارَةࣰ مِّن سِجِّیلࣲ مَّنضُودࣲ﴾ [هود: 82]، فدلَّ أنَّها من الحجارة المُعدَّة لإهلاك المُفسِدين، والله أعلم.
﴿فَجَعَلَهُمۡ كَعَصۡفࣲ مَّأۡكُولِۭ﴾ أي: كبقايا الزرع الذي داسَتْه الدوابُّ وأكَلَتْه حتى ترَكَتْه مُهشَّمًا مُبَعثَرًا، وهي صورةٌ لجيش أبرهة بعد أن أهلَكَتْه هذه الحجارة، والله أعلم.