موضوعُ هذه السورة هو إعلان المفاصلة مع الكفر، والتمايز بين طريق الحقِّ وطريق الباطل، ولقد كان هذا في بداية الدعوة المكِّيَّة وبعد محاولاتٍ من زعماء مكَّة لاستِرضاء النبيِّ محمد
ﷺ أن يعبُد آلهتهم يومًا، ويعبُدوا إلهَه يومًا، ورُبَّما كان هذا خِداعًا منهم واستدراجًا لإبطال نبوَّته أمام الناس لو ساوَمَهم على ذلك، وأيًّا ما كانت نواياهم، فإنَّ هذه السورة تُؤسِّسُ لمبدأ عظيم، وهو أنَّ المساومة على الدين مرفوضةٌ مهما كان ضعفُ المسلمين وقِلَّة عددهم وحِيلتهم، من هنا جاء هذا النداء الصريح والواضح
﴿قُلۡ یَــٰۤـأَیُّهَا ٱلۡكَـٰفِرُونَ ﴿١﴾ لَاۤ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُونَ﴾.
ولقد كان في هذا تيئيسٌ للمشركين، وتثبيتٌ للمؤمنين، وتبيينٌ للناس أجمعين أن يختاروا لأنفسهم هذا الطريق أو ذاك، فلا مجال للجَمع بين الطريقَين أو الوقوف بَين بَين.
ثمَُّ أكَّدت السورة أنَّ زعماء قريش هؤلاء الذين ساوَمُوا رسولَ الله
ﷺ لن يؤمنوا
﴿وَلَاۤ أَنتُمۡ عَـٰبِدُونَ مَاۤ أَعۡبُدُ﴾ وهذه نبوءةٌ بسوء الخاتمة لهم، وهؤلاء وأمثالهم هم المقصودون بقوله تعالى في سورة
البقرة:
﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُواْ سَوَاۤءٌ عَلَیۡهِمۡ ءَأَنذَرۡتَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تُنذِرۡهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ﴾ [البقرة: 6]، وليس عامّة الكافرين.
ثم أكَّد هذه المفاصلة:
﴿وَلَاۤ أَنَا۠ عَابِدࣱ مَّا عَبَدتُّمۡ ﴿٤﴾ وَلَاۤ أَنتُمۡ عَـٰبِدُونَ مَاۤ أَعۡبُدُ﴾، وقد جاءت الجملة المؤكّدة هذه بصيغة الجمل الاسميَّة؛ لإفادة الثبوت واستقرار الحال بعد أن كانت الجملة الأولى فعليَّة تُفيد نفيَ الاستقبال.
ثم جاء توضيح المقصود بهذه المفاصلة:
﴿لَكُمۡ دِینُكُمۡ وَلِیَ دِینِ﴾؛ فهي مُفاصلةٌ بين دينَين، وليست مُفاصلة في العلاقات الاجتماعيَّة والمشتركات الحياتيَّة العامة؛ من بيعٍ وشراءٍ، وجوارٍ، وتعاونٍ في مجالات النفع العام؛ كإغاثة الملهوف، ومساعدة الضعيف، فضلًا عن صِلة الأرحام، وأداء الحقوق والأمانات.