سورة الكافرون تفسير مجالس النور الآية 1

قُلۡ یَــٰۤـأَیُّهَا ٱلۡكَـٰفِرُونَ ﴿١﴾

تفسير مجالس النور سورة الكافرون

المجلس التاسع والتسعون بعد المائتين: لكم دينكم ولي دين


سورة الكافرون


موضوعُ هذه السورة هو إعلان المفاصلة مع الكفر، والتمايز بين طريق الحقِّ وطريق الباطل، ولقد كان هذا في بداية الدعوة المكِّيَّة وبعد محاولاتٍ من زعماء مكَّة لاستِرضاء النبيِّ محمد أن يعبُد آلهتهم يومًا، ويعبُدوا إلهَه يومًا، ورُبَّما كان هذا خِداعًا منهم واستدراجًا لإبطال نبوَّته أمام الناس لو ساوَمَهم على ذلك، وأيًّا ما كانت نواياهم، فإنَّ هذه السورة تُؤسِّسُ لمبدأ عظيم، وهو أنَّ المساومة على الدين مرفوضةٌ مهما كان ضعفُ المسلمين وقِلَّة عددهم وحِيلتهم، من هنا جاء هذا النداء الصريح والواضح ﴿قُلۡ یَــٰۤـأَیُّهَا ٱلۡكَـٰفِرُونَ ﴿١﴾ لَاۤ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُونَ﴾.
ولقد كان في هذا تيئيسٌ للمشركين، وتثبيتٌ للمؤمنين، وتبيينٌ للناس أجمعين أن يختاروا لأنفسهم هذا الطريق أو ذاك، فلا مجال للجَمع بين الطريقَين أو الوقوف بَين بَين.
ثمَُّ أكَّدت السورة أنَّ زعماء قريش هؤلاء الذين ساوَمُوا رسولَ الله لن يؤمنوا ﴿وَلَاۤ أَنتُمۡ عَـٰبِدُونَ مَاۤ أَعۡبُدُ﴾ وهذه نبوءةٌ بسوء الخاتمة لهم، وهؤلاء وأمثالهم هم المقصودون بقوله تعالى في سورة البقرة: ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُواْ سَوَاۤءٌ عَلَیۡهِمۡ ءَأَنذَرۡتَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تُنذِرۡهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ﴾ [البقرة: 6]، وليس عامّة الكافرين.
ثم أكَّد هذه المفاصلة: ﴿وَلَاۤ أَنَا۠ عَابِدࣱ مَّا عَبَدتُّمۡ ﴿٤﴾ وَلَاۤ أَنتُمۡ عَـٰبِدُونَ مَاۤ أَعۡبُدُ﴾، وقد جاءت الجملة المؤكّدة هذه بصيغة الجمل الاسميَّة؛ لإفادة الثبوت واستقرار الحال بعد أن كانت الجملة الأولى فعليَّة تُفيد نفيَ الاستقبال.
ثم جاء توضيح المقصود بهذه المفاصلة: ﴿لَكُمۡ دِینُكُمۡ وَلِیَ دِینِ﴾؛ فهي مُفاصلةٌ بين دينَين، وليست مُفاصلة في العلاقات الاجتماعيَّة والمشتركات الحياتيَّة العامة؛ من بيعٍ وشراءٍ، وجوارٍ، وتعاونٍ في مجالات النفع العام؛ كإغاثة الملهوف، ومساعدة الضعيف، فضلًا عن صِلة الأرحام، وأداء الحقوق والأمانات.


﴿قُلۡ یَــٰۤـأَیُّهَا ٱلۡكَـٰفِرُونَ﴾ سمّاهم بما يُحقِّقُ التمايُز عنهم، وليس هذا شَرطًا في مخاطبة غير المسلمين في كلِّ الأحوال؛ فقد جاء في القرآن نداؤهم بـ (يا أيُّها الناس)، و(يا أيُّها الإنسان)، و(يا أهل الكتاب)، والحكمة تقتضي مُخاطبتهم بالاسم الذي يُناسب الحال والمقام.
﴿لَاۤ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُونَ﴾ أي: لا أعبدُ أصنامكم التي تعبدونها.
﴿وَلَاۤ أَنتُمۡ عَـٰبِدُونَ مَاۤ أَعۡبُدُ﴾ أي: ولا أنتم عابدون الله الذي أعبده؛ لأنَّكم مُشرِكون به، وفيه دليلٌ على أنَّ ﴿مَاۤ﴾ لا يقتصر إطلاقُها على غير العاقل، فإطلاقها على العاقل واردٌ وصحيحٌ إذا أُمِن اللبس.
﴿لَكُمۡ دِینُكُمۡ وَلِیَ دِینِ﴾ أي: ولِي دِيني، وحُذِفَت الياء تخفيفًا، وقد بقيت الكسرة علامة عليها، وفيه جوازُ إطلاق لفظ الدين على ما يعتقِدُه الناس دينًا ولو كان باطلًا.