سورة هود تفسير مجالس النور الآية 59

وَتِلۡكَ عَادࣱۖ جَحَدُواْ بِـَٔایَـٰتِ رَبِّهِمۡ وَعَصَوۡاْ رُسُلَهُۥ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَمۡرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِیدࣲ ﴿٥٩﴾

تفسير مجالس النور سورة هود

المجلس الحادي والتسعون: هود وصالح


من الآية (50- 68)


هود وصالح عليهما السلام هما النموذج الأقرب زمانًا وموضوعًا لقصة نوح عليه السلام؛ حيث الحياة البدائية التي تعتمد على الولاء القبلي وتقليد الآباء والأجداد، مع بساطة في مفردات الحياة، والجوانب التي عالجتها هذه الآيات في هذا النموذج تتلخص في الآتي:
أولًا: موضوع الدعوتين واحد ﴿وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمۡ هُودࣰاۚ قَالَ یَـٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرُهُۥۤۖ﴾، ﴿۞ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَـٰلِحࣰاۚ قَالَ یَـٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرُهُۥ ۖ﴾ فهي الدعوة إلى التوحيد عند النبيين الكريميْن وبصيغة واحدة للدلالة على شدّة الشبه بين التجربتين.
ثانيًا: ترغيب النبييْن لقومهما بالاستغفار والتوبة، قال هود: ﴿وَیَـٰقَوۡمِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَیۡهِ یُرۡسِلِ ٱلسَّمَاۤءَ عَلَیۡكُم مِّدۡرَارࣰا وَیَزِدۡكُمۡ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمۡ﴾، وقال صالح: ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِیهَا فَٱسۡتَغۡفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَیۡهِۚ إِنَّ رَبِّی قَرِیبࣱ مُّجِیبࣱ﴾.
ثالثًا: ردَّت عاد على نبيها: ﴿قَالُواْ یَـٰهُودُ مَا جِئۡتَنَا بِبَیِّنَةࣲ وَمَا نَحۡنُ بِتَارِكِیۤ ءَالِهَتِنَا عَن قَوۡلِكَ وَمَا نَحۡنُ لَكَ بِمُؤۡمِنِینَ﴾، كما ردَّت ثمود: ﴿قَالُواْ یَـٰصَـٰلِحُ قَدۡ كُنتَ فِینَا مَرۡجُوࣰّا قَبۡلَ هَـٰذَاۤۖ أَتَنۡهَىٰنَاۤ أَن نَّعۡبُدَ مَا یَعۡبُدُ ءَابَاۤؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِی شَكࣲّ مِّمَّا تَدۡعُونَاۤ إِلَیۡهِ مُرِیبࣲ﴾.
رابعًا: تشابَهَت عاقبة القبيلَتَين إلى حدٍّ كبير، ففي عاد: ﴿وَلَمَّا جَاۤءَ أَمۡرُنَا نَجَّیۡنَا هُودࣰا وَٱلَّذِینَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةࣲ مِّنَّا وَنَجَّیۡنَـٰهُم مِّنۡ عَذَابٍ غَلِیظࣲ ﴿٥٨﴾ وَتِلۡكَ عَادࣱۖ جَحَدُواْ بِـَٔایَـٰتِ رَبِّهِمۡ وَعَصَوۡاْ رُسُلَهُۥ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَمۡرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِیدࣲ ﴿٥٩﴾ وَأُتۡبِعُواْ فِی هَـٰذِهِ ٱلدُّنۡیَا لَعۡنَةࣰ وَیَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِۗ﴾، وفي ثمود: ﴿فَلَمَّا جَاۤءَ أَمۡرُنَا نَجَّیۡنَا صَـٰلِحࣰا وَٱلَّذِینَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةࣲ مِّنَّا وَمِنۡ خِزۡیِ یَوۡمِىِٕذٍۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلۡقَوِیُّ ٱلۡعَزِیزُ ﴿٦٦﴾ وَأَخَذَ ٱلَّذِینَ ظَلَمُواْ ٱلصَّیۡحَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِی دِیَـٰرِهِمۡ جَـٰثِمِینَ﴾.
خامسًا: افترَقَت قصة صالح عن قصة هود بإضافة مشهد الناقة، وهي آية أيّد الله بها دعوة صالح ﴿وَیَـٰقَوۡمِ هَـٰذِهِۦ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمۡ ءَایَةࣰۖ فَذَرُوهَا تَأۡكُلۡ فِیۤ أَرۡضِ ٱلـلَّــهِۖ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوۤءࣲ فَیَأۡخُذَكُمۡ عَذَابࣱ قَرِیبࣱ ﴿٦٤﴾ فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِی دَارِكُمۡ ثَلَـٰثَةَ أَیَّامࣲۖ ذَ ٰ⁠لِكَ وَعۡدٌ غَیۡرُ مَكۡذُوبࣲ﴾، في حين أن قصة هود لم تقترن بآية خارقة، وربما هذا هو الذي جعل قومه يقولون له: ﴿یَـٰهُودُ مَا جِئۡتَنَا بِبَیِّنَةࣲ﴾.


﴿وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمۡ هُودࣰاۚ﴾ إشارة إلى الاحتفاظ بوشائج القربى حتى مع اختلاف الدين، إلا أن الولاء يدور مع الدين لا مع القرابة.
﴿ٱلَّذِی فَطَرَنِیۤۚ﴾ أوجدني من العدم.
﴿مِّدۡرَارࣰا﴾ كثيرًا مُتتابعًا.
﴿إِن نَّقُولُ إِلَّا ٱعۡتَرَىٰكَ بَعۡضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوۤءࣲۗ﴾ يُشيرُون إلى أن آلهتهم قد أصابَتْه بالجنون، فأخذ يتكلَّم بما يتكلَّم به!
﴿ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ﴾ لا تتأخَّرُوا في مُعاقبَتَي وإيقاع الضرر بي، فيه تحدٍّ واضح واستعداد للتضحية.
﴿مَّا مِن دَاۤبـَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذُۢ بِنَاصِیَتِهَاۤۚ﴾ كل كائن حي فهو تحت قدَر الله وحكمه، وأخذ الناصية عادة المحاربين في جرّ أسراهم وهم بمنتهى الخضوع، فذهبت مثلًا.
﴿فَإِن تَوَلَّوۡاْ﴾ أصلها: تتولوا، وحذفت إحدى التائَين تخفيفًا.
﴿وَلَمَّا جَاۤءَ أَمۡرُنَا﴾ بالعذاب.
﴿وَعَصَوۡاْ رُسُلَهُۥ﴾ بالجمع، مع أنهم كذبوا رسولًا واحدًا، إشارة إلى أن من كذَّب رسولًا واحدًا فقد كذَّب بالرسل كلهم.
﴿أَلَا بُعۡدࣰا لِّعَادࣲ﴾ من رحمة الله.
﴿وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِیهَا﴾ مكّنكم منها استقرارًا وعمارةً ورزقًا، وفيه إشارةٌ إلى مقصدٍ مِن مقاصِد خلقِ الإنسان، وهو إعمارُ الأرض، وهو لازِمٌ مِن لوازِم الاستِخلافِ.
﴿قَدۡ كُنتَ فِینَا مَرۡجُوࣰّا قَبۡلَ هَـٰذَاۤۖ﴾ أي: كنا نرجو أن يكون لك بيننا مقام غير هذا الذي جئتنا به.
﴿تَخۡسِیرࣲ﴾ خسارة فادحة ومكررة.
﴿فَعَقَرُوهَا﴾ تعدّوا عليها وذبحوها.
﴿ٱلصَّیۡحَةُ﴾ الهلاك بالصوت، وفيه إشارة إلى طريقة من طرق التدمير لم يتوصَّل لها العلم إلا حديثًا.
﴿جَـٰثِمِینَ﴾ هامدين مكبوبين على وجوههم جُثثًا لا حياة فيها.
﴿كَأَن لَّمۡ یَغۡنَوۡاْ فِیهَاۤۗ﴾ كأنهم لم يُقيموا فيها.