﴿إِذَا جَاۤءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ﴾ هو فتح مكَّة، و
الفتح أكبر من النصر، ولا يكون
الفتح إلَّا بعد نصر؛ إذ
النصر غلَبَة جيش على جيش، و
الفتح استِسلام البلاد للجيش المُنتصِر، وقد جاء فتحُ مكَّة ثمرةً لسلسةٍ من الانتصارات التي حقَّقها المسلمون على مشركي مكَّة.
﴿وَرَأَیۡتَ ٱلنَّاسَ یَدۡخُلُونَ فِی دِینِ ٱللَّهِ أَفۡوَاجࣰا﴾ إشارة إلى أنَّ الناس يُقبِلون على النجاح الظاهر والإنجاز المشهود أكبر من إقبالهم على ظهور الأدلَّة المعرفيَّة، وسطوع البراهين العقليَّة، فالقرآن الذي رفَضَتْه قريش فكانت المفاصلة:
﴿لَكُمۡ دِینُكُمۡ وَلِیَ دِینِ﴾ هو نفسه القرآن الذي آمنوا به أفواجًا بعد الفتح، وفي هذا درسٌ بليغٌ للدُّعاة والعاملين للإسلام أنَّ صناعة النموذج الناجح هو الذي يجعل الناس يُقبِلون على الدَّعوة ويحتضنونها، أمَّا الاعتماد على النقاش والاستدلال المنطقي فقد ينفَع المُهتمِّين بهذا الشأن، لكن أفواج الناس لا تنتبه لهذه المناقشات ولا الحوارات.
﴿فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ﴾ أي: سبِّحْهُ تسبيحًا مُصاحِبًا للحمد.
﴿وَٱسۡتَغۡفِرۡهُۚ﴾ وأنت في حالة النصر، وهذا درسٌ تربويٌّ آخر للأُمَّة؛ فنجاحُها لا يُعفِيها من مراجعة مواقفها وتقويم أخطائها، والنصرُ لا يُعفِيها من استِذكار ذنوبها، واستِغفار الله منها، بل هذا من الشُّكر الواجِب، وهو ضمانةٌ ألا ينقَلِب النصرُ إلى حالةٍ من الاغتِرار بالقوة، وإهمال العهود، وتضييع الحقوق.
﴿إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَۢا﴾ أي: يقبَلُ التوبة عن عباده كلما تابُوا إليه، وهذا من رحمته تعالى بعباده، وعِلمِه بحاجتهم إلى بابه الواسع هذا.