التوحيدُ أساس الإسلام، وقاعدتُه التي يُبنى عليها، وقد جاءت هذه السورة العزيزة مخصَّصة لبيان معنى التوحيد وتخليصه عن أيِّ شائبةٍ؛ فبدأت بإثبات وحدانيَّته تعالى المطلقة: ﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ﴾ فهو الذي لا ربَّ سِوَاه، ولا معبودَ بحقٍّ عداه.
ثم بيَّنَت صفةً عظيمةً لله تعالى، وهي من أُسس التوحيد ومعانيه الرئيسة: ﴿ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ﴾، والصمد: هو سيّد هذا الكون الذي يُديره ويُدبِّر أمره؛ فهو مُقدِّر المقادير، ومُشرِّع الأحكام، وكلُّ حاجات الخلق بيده، فلا ينبغي أن يُقصَد غيره.
ثم عرَّجَت السورة لنفي بعض المعاني الفاسدة التي علِقَت بأهل الكتاب وغيرهم في تصوُّراتهم الخاطئة والجاهلة عن الله: ﴿لَمۡ یَلِدۡ وَلَمۡ یُولَدۡ﴾ فالله سبحانه خلق الوالد والولد، وليس مُحتاجًا لأحدهما، فهو المتفرِّد سبحانه بالجلال والكمال، ونسبةُ الولد إلى الله كما تقولُ النصارى في المسيح عليه السلام، أو كما يقول المشركون في الملائكة عليهم السلام مُنافٍ لعقيدة التوحيد، وداخلٌ في حقيقة الشرك.
ثم تختتم السورة ببيان معنًى آخر من معاني التوحيد، وهو تفرُّده سبحانه في ذاته العليَّة وفي أسمائه وصفاته، وهو المعنى المُقتَضِي بالضرورة إبطال الشَّبِيه والندِّ والمُماثِل من كلِّ الوجوه: ﴿وَلَمۡ یَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ﴾.
﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ﴾ الأمر بالقول هنا يُفيد معنى التعليم، وتأكيد أنَّ هذا إنَّما هو وحيٌ من الله تعالى، والضمير ﴿هُوَ﴾ يعودُ إلى ما استقرَّ في الأذهان من المعنى المُجمَل عن الإله الذي خلق هذا الكون، والذي هو محلّ السؤال والجدال بين المؤمنين والمشركين. ﴿أَحَدٌ﴾ صفةٌ لله تعالى تعني أنَّه المُتفرِّد في كلِّ وجهٍ، فلا شريك له، ولا ندّ، ولا مثيل. ﴿ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ﴾ أي: هو السيِّد الذي بيده أمرُ الخلائق ومصيرُها، وهو سنَدُها في وجودها، واستمرار حياتها، وقضاء حوائجها. ﴿لَمۡ یَلِدۡ وَلَمۡ یُولَدۡ﴾ أي: ليس له ولد، كما أنَّه ليس له والد. ﴿وَلَمۡ یَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ﴾ أي: لم يكن له أحدٌ يُماثِلُه ويُكافِئُه، تبارك ربُّنا وتعالى وتقدَّس وتعظَّم.