﴿قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلۡفَلَقِ﴾ أمرٌ مِن الله تعالى لنبيِّه
ﷺ ثُمَّ لكلِّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ من بعده أن يطلُبَ الحمايةَ من الله وحده الذي هو ربُّ الفلق، والفلق: الصُّبح، والله هو ربُّ الصُّبح، وربُّ كلِّ شيءٍ، لكن ذِكر الصُّبح مُشعِرٌ بالأمل والفرَج.
﴿مِن شَرِّ مَا خَلَقَ﴾ عامٌّ في التعوُّذِ من كلِّ ذي شرٍّ؛ من الجنِّ، والإنس، والهوامِّ، وكلِّ ما خلق الله.
﴿وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾ أي: وأعوذ بالله من شرِّ الليل إذا اشتدَّت ظلمته، وهذا من إضافة الاسم إلى ظرفه؛ فالشرُّ ليس من الليل، وإنَّما مِمَّا يقع في الليل، ومعلومٌ أنَّ ظلمة الليل مناسبة للصوص، وأهل الغدر، والدعارة والمنكر، وغير ذلك مما يُخشى منه ومن شرِّه.
﴿وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ فِی ٱلۡعُقَدِ﴾ وهنَّ النساء اللواتي يتعامَلن بالسحر والشعوذة؛ وخصَّ النساء لانتشار ذلك بينهنَّ أكثر من الرجال، والنَّفْثُ: النَّفْخُ، والعُقَد: خيوط كُنَّ يعقِدنها وينفُثْن فيها مُعتقِدات أنَّ أثرهن في المسحور سارٍ ما دامَت العُقدة على حالها، فإذا حُلَّت بطَلَ أثرُها.
والتعوُّذ من شرِّهن لا يلزم منه الإقرار بتأثير هذه العُقَد في حياة الناس، بل هو تعوُّذٌ من شرِّهن؛ لأنَّهنّ بؤرة مِن بؤر الفتنة والنميمة، وزراعة الأحقاد والأضغان، ونشر الخرافة والجهل، وكفى بذلك شرًّا.
﴿وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ والحسدُ: تمنِّي زوال النعمة عن الغير، وقد يتبَعُه سعيٌ عمليٌّ؛ كالوشاية عند ذي سلطان، ونشر الإشاعة المشوِّهة للسمعة، ونحو ذلك، والتعوُّذ بالله منه لا ينبغي أن يصِلَ إلى حدِّ الوسواس، وكأنَّ عين الحاسد تفعل ما تريد - حاشا لله -؛ فالله سبحانه هو مالك الملك، وهو مُقدِّر المقادير والأرزاق والآجال، والحاسِدُ لا يملِك طاقةً فوق طاقة البشر، وليس له صِلة بعالم الغيب، غايةُ ما في الأمر أنَّ الحسَدَ قد يُصيِّره إلى عدوٍّ.
وأمَّا اتِّهام الناس بالحسد وتعيين مُعيَّنٍ منهم بلا بيَّنة ولا عداوة ظاهرة، فهذا من البُهتان الذي لا يقِلُّ إثمه وضرَرُه عن الحسد نفسه، ورُبَّما يكون فيه شيءٌ من ادِّعاء الغيب، والعياذ بالله من كلِّ ذلك.