سورة يوسف تفسير مجالس النور الآية 35

ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا رَأَوُاْ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لَیَسۡجُنُنَّهُۥ حَتَّىٰ حِینࣲ ﴿٣٥﴾

تفسير مجالس النور سورة يوسف

المجلس الثامن والتسعون: فتنة السجن


من الآية (35- 53)


تجربة أخرى يقدّمها هذا النبيُّ الكريمُ على نبيِّنا وعليه الصلاة والتسليم، وهي تجربةٌ متكررة أيضًا مع أهل الحقِّ حيثما واجهوا باطلًا في دولته وزمان صولته وجولته، وفي هذه التجربة النبوية نقف أمام مدرسة كبيرة وقدوة عظيمة، نتلمَّس معالمها وملامحها في الآتي:
أولًا: أنه عليه السلام كان قد اختار السجن على الوقوع في الإثم ﴿قَالَ رَبِّ ٱلسِّجۡنُ أَحَبُّ إِلَیَّ مِمَّا یَدۡعُونَنِیۤ إِلَیۡهِۖ﴾.
وهذا مثال لكلّ داعٍ للحقّ، فالسجن خيرٌ له من التنازل عن دعوته، أو الانزلاق إلى ما يريده الباطل حيث يتشوّه الحقّ، وتضيع القدوة، ويلتبس على الناس أمرهم.
ثانيًا: أن الباطل لا يتورّع عن مخالفة القيم التي يؤمن بها، وانتهاك القوانين التي رضيها، مادام أن ذلك يحقق له شهوته وسطوته ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا رَأَوُاْ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لَیَسۡجُنُنَّهُۥ حَتَّىٰ حِینࣲ﴾ هكذا، مع أنهم شهِدُوا له بالبراءة على لسان شاهِدٍ من أهلها، ثم على لسان زوجها العزيز: ﴿وَٱسۡتَغۡفِرِی لِذَنۢبِكِۖ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلۡخَاطِـِٔینَ﴾ ثم على لسانها هي: ﴿وَلَقَدۡ رَ ٰ⁠وَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ فَٱسۡتَعۡصَمَۖ﴾.
ثالثًا: رغم هذا الشعور بمرارة الظلم وهو ما يدفع المظلوم عادة لردّة فعل غير مرغوبة ولا محسوبة إلا أنه عليه السلام قدّم المثال الأحسن لكل مظلوم، وأظهر من الإحسان ما اعترف له به أهل السجن ﴿إِنَّا نَرَىٰكَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ﴾ مع أنه لم يكن عنده من متاع الدنيا ما يُقدِّمه لهم، فهو الفقير الغريب السجين، ومع هذا كان من المحسنين، فأيُّ خُلُق بلغ إليه هذا النبيُّ الكريم؟
رابعًا: لم ينقطع يوسف عليه السلام عن نهجه الدعوي الإصلاحي حتى وهو في السجن، فكان في حوارٍ مع شركائه في السجن، يعرض ما عنده أولًا عرضًا لطيفًا ﴿ذَ ٰ⁠لِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِی رَبِّیۤۚ إِنِّی تَرَكۡتُ مِلَّةَ قَوۡمࣲ لَّا یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلۡأَخِرَةِ هُمۡ كَـٰفِرُونَ ﴿٣٧﴾ وَٱتَّبَعۡتُ مِلَّةَ ءَابَاۤءِیۤ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ وَإِسۡحَـٰقَ وَیَعۡقُوبَۚ مَا كَانَ لَنَاۤ أَن نُّشۡرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَیۡءࣲۚ ذَ ٰ⁠لِكَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ عَلَیۡنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَشۡكُرُونَ﴾، ثم يتوجَّه إليهم بالخطاب المباشر: ﴿یَـٰصَـٰحِبَیِ ٱلسِّجۡنِ ءَأَرۡبَابࣱ مُّتَفَرِّقُونَ خَیۡرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلۡوَ ٰ⁠حِدُ ٱلۡقَهَّارُ ﴿٣٩﴾ مَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِهِۦۤ إِلَّاۤ أَسۡمَاۤءࣰ سَمَّیۡتُمُوهَاۤ أَنتُمۡ وَءَابَاۤؤُكُم مَّاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَـٰنٍۚ﴾.
خامسًا: لقد جاء السياق يُشير إلى تدرُّجٍ تربويٍّ دقيقٍ، قد لا نتلَّمسه في غير هذا الدرس؛ حيث بادَرَهم بالإحسان أولًا، حتى كسب ثقتهم العمليّة والوجدانيّة، ثم انتقل إلى العلم ليقنعهم أنه يملك فيه ما لا يملكون ﴿قَالَ لَا یَأۡتِیكُمَا طَعَامࣱ تُرۡزَقَانِهِۦۤ إِلَّا نَبَّأۡتُكُمَا بِتَأۡوِیلِهِۦ قَبۡلَ أَن یَأۡتِیَكُمَاۚ ذَ ٰ⁠لِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِی رَبِّیۤۚ﴾.
وهاتان مقدّمتان لكلِّ داعيةٍ مُصلحٍ، ثم بدأ بعرض معتقده عرضًا دون أن يمس معتقداتهم أو يباشرهم بالدعوة، حتى إذا اطمأن إليهم واطمأنوا إليه راح يصارحهم ويواجههم بالحقيقة.
سادسًا: علاقة المسجونين بالرؤى والأحلام علاقة وثيقة، ومن جرّب السجن عرف ذلك، فهي نافذتهم إلى الأمل خاصّة في بلاد يحكمها الظلم ويغيب عنها القانون، ويظهر هذا في تشبث صاحبيه في ما رأياه، وإصرارهما على سماع التأويل ﴿نَبِّئۡنَا بِتَأۡوِیلِهِۦۤۖ إِنَّا نَرَىٰكَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ﴾ وقد اغتنم يوسف عليه السلام هذه الحاجة من أجل أن يعلمهما طريق الخلاص الأكبر والأدوم، طريق التوحيد والإيمان بالله والتوكل عليه وحده، وهما يصغيان.
سابعًا: أن الأخذ بالأسباب المتيسّرة مشروع للتخلّص من هذا الظلم ﴿وَقَالَ لِلَّذِی ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجࣲ مِّنۡهُمَا ٱذۡكُرۡنِی عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ ذِكۡرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِی ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِینَ﴾ لأنه كان خادمًا للملك وقريبًا منه، فأوصاه يوسف عليه السلام بعد أن بشَّره بنجاته من السجن أن يذكر لمليكه قصته والظلم الذي وقع عليه من قصر العزيز، غير أن صاحبه نسيه بعد أن أفرج عنه ورجع إلى خدمة الملك ﴿فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ ذِكۡرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِی ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِینَ﴾.
وهنا إشارةٌ لمظهرٍ من مظاهر الدولة الظالمة؛ حيث يعتمد بقاء السجين في السجن أو خروجه منه على كلمة يتذكرها متذكر أو ينساها ناسِ.
ثامنًا: يوسف يشخِّص الخطر القادم على مصر ويضع خطته للإنقاذ ﴿قَالَ تَزۡرَعُونَ سَبۡعَ سِنِینَ دَأَبࣰا فَمَا حَصَدتُّمۡ فَذَرُوهُ فِی سُنۢبُلِهِۦۤ إِلَّا قَلِیلࣰا مِّمَّا تَأۡكُلُونَ ﴿٤٧﴾ ثُمَّ یَأۡتِی مِنۢ بَعۡدِ ذَ ٰ⁠لِكَ سَبۡعࣱ شِدَادࣱ یَأۡكُلۡنَ مَا قَدَّمۡتُمۡ لَهُنَّ إِلَّا قَلِیلࣰا مِّمَّا تُحۡصِنُونَ ﴿٤٨﴾ ثُمَّ یَأۡتِی مِنۢ بَعۡدِ ذَ ٰ⁠لِكَ عَامࣱ فِیهِ یُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِیهِ یَعۡصِرُونَ﴾.
وهذا التنبُّؤ وإن جاء تعبيرًا لرؤيا الملك إلا أن نور الوحي ظاهر فيه، فهذا الجزم في التشخيص والعلاج من فتًى مسجون لا يعرف مصر ولا طبيعتها ولا خصوصية أرضها وأهلها لا يمكن أن يكون مُستنِدًا إلى تعبيرٍ مجردٍ للرؤيا، والله أعلم.
تاسعًا: يوسف يطالب الملك بالتحقيق في قضيته والبحث في أسباب سجنه ﴿وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ ٱئۡتُونِی بِهِۦۖ فَلَمَّا جَاۤءَهُ ٱلرَّسُولُ قَالَ ٱرۡجِعۡ إِلَىٰ رَبِّكَ فَسۡـَٔلۡهُ مَا بَالُ ٱلنِّسۡوَةِ ٱلَّـٰتِی قَطَّعۡنَ أَیۡدِیَهُنَّۚ إِنَّ رَبِّی بِكَیۡدِهِنَّ عَلِیمࣱ﴾ وهذا العلو لا يليق إلا بهذه الصفوة من الخلق، فالملك يرسل إلى سجين ليس له حول ولا قوة ولا قريب ولا نصير، والسجين يرفض أن يلبي دعوة الملك قبل أن يحقق في قضية سجنه حتى ينكشف الحقّ وتظهر للعالم براءته!
إنه درسٌ آخر من الدروس الفريدة التي يقدّمها هذا النبي الكريم، إن خروجه بعفو من الملك لن يُعفيه من التهمة؛ ولأنه صاحب رسالة ومكلَّف بإنقاذ الخلق وتعمير الأرض وإصلاح المجتمع فلا يمكنه أن يقوم بهذه المهام والتهمة تلاحقه.
عاشرًا: الملك يتولى التحقيق استجابة لطلب يوسف عليه السلام ﴿قَالَ مَا خَطۡبُكُنَّ إِذۡ رَ ٰ⁠وَدتُّنَّ یُوسُفَ عَن نَّفۡسِهِۦۚ قُلۡنَ حَـٰشَ لِلَّهِ مَا عَلِمۡنَا عَلَیۡهِ مِن سُوۤءࣲۚ قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡـَٔـٰنَ حَصۡحَصَ ٱلۡحَقُّ أَنَا۠ رَ ٰ⁠وَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّـٰدِقِینَ﴾ نعم لقد حَصحَص الحقّ، وهذا هو مراد يوسف عليه السلام، أما الخروج من السجن دون هذا فإنه سيدخله في سجنٍ آخر؛ سجن التهمة والإشاعة والنظرة المريبة.


﴿ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا رَأَوُاْ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لَیَسۡجُنُنَّهُۥ﴾ بدا لهم رأي آخر؛ حيث اكتفى العزيز أولا بقوله: ﴿یُوسُفُ أَعۡرِضۡ عَنۡ هَـٰذَاۚ﴾ ثم لما تحدّث النسوة وشاع الخبر رأوا أن يسجنوه دفعًا للتهمة عن امرأة العزيز، وقوله: ﴿مِّنۢ بَعۡدِ مَا رَأَوُاْ ٱلۡـَٔایَـٰتِ﴾ أي: مع أنهم يعلمون براءته؛ لما رأوه من دلائل في القميص وغيره.
﴿وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجۡنَ فَتَیَانِۖ﴾ غلامان كانا في خدمة الملك، أحدهما يصنع له طعامه، والثاني يصنع له شرابه.
﴿إِنِّیۤ أَرَىٰنِیۤ أَعۡصِرُ خَمۡرࣰاۖ﴾ رأيت نفسي في المنام أصنع الخمر.
﴿قَالَ لَا یَأۡتِیكُمَا طَعَامࣱ تُرۡزَقَانِهِۦۤ إِلَّا نَبَّأۡتُكُمَا بِتَأۡوِیلِهِۦ قَبۡلَ أَن یَأۡتِیَكُمَاۚ﴾ فكان يخبرهما بما يأتيهما من طعامٍ قبل أن يصل إليهما، وفائدة هذا الإخبار تعزيز الثقة بما خصَّه الله به من العلم؛ ولذلك قال بعدها: ﴿ذَ ٰ⁠لِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِی رَبِّیۤۚ﴾ وكلّ هذا تمهيد لدعوتهما إلى التوحيد ﴿إِنِّی تَرَكۡتُ مِلَّةَ قَوۡمࣲ لَّا یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلۡأَخِرَةِ هُمۡ كَـٰفِرُونَ﴾.
ولا يبعُد أيضًا أنه قصد تأخير الجواب إلى وقت مجيء الطعام؛ ليجذب قلوبهما إليه في هذا الوقت وهو يدعوهم إلى التوحيد.
﴿مَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِهِۦۤ إِلَّاۤ أَسۡمَاۤءࣰ سَمَّیۡتُمُوهَاۤ أَنتُمۡ وَءَابَاۤؤُكُم﴾ فهي مجرد أسماء لا حقيقة لها، بمعنى أنهم يسمونها آلهة وما هي بآلهة، وفي الآية دلالة على أن أهل مصر في ذلك العصر كانوا على الشِّرك.
﴿إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعۡبُدُوۤاْ إِلَّاۤ إِیَّاهُۚ﴾تسلسُل مقصود، فإثبات حقّ الله في الحكم والتشريع أولًا، ثم يأتي أمر الله ونهيه وهما فرع الحكم، ثم تأتي العبادة وهي الخضوع لهذا الأمر والنهي.
﴿ٱلدِّینُ ٱلۡقَیِّمُ﴾ العدل المستقيم والحقّ الذي لا عوج فيه.
﴿أَمَّاۤ أَحَدُكُمَا فَیَسۡقِی رَبَّهُۥ خَمۡرࣰاۖ﴾ بشارة للساقي بالخروج من السجن، وأنه سيرجع إلى خدمة الملك، وهذا تأويل رؤياه ﴿إِنِّیۤ أَرَىٰنِیۤ أَعۡصِرُ خَمۡرࣰاۖ﴾.
﴿وَأَمَّا ٱلۡـَٔاخَرُ فَیُصۡلَبُ فَتَأۡكُلُ ٱلطَّیۡرُ مِن رَّأۡسِهِۦۚ﴾ تأويل لرؤياه ﴿إِنِّیۤ أَرَىٰنِیۤ أَحۡمِلُ فَوۡقَ رَأۡسِی خُبۡزࣰا تَأۡكُلُ ٱلطَّیۡرُ مِنۡهُۖ﴾.
﴿وَقَالَ لِلَّذِی ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجࣲ مِّنۡهُمَا ٱذۡكُرۡنِی عِندَ رَبِّكَ﴾ قال للساقي: اذكُر قصَّتي للملك، المتضمِّنة لمظلَمَته، ولِمَا ظهر للمسجونين من إحسانه وعلمه.
﴿فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ ذِكۡرَ رَبِّهِۦ﴾ أنسَى الشيطانُ الساقِي فلم يتذكَّر وصيةَ يوسف عليه السلام؛ ولذلك قال الله عنه فيما بعد: ﴿وَقَالَ ٱلَّذِی نَجَا مِنۡهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أُمَّةٍ﴾.
﴿وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّیۤ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَ ٰ⁠تࣲ سِمَانࣲ یَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافࣱ﴾ العِجاف جمع عَجْفاء، وهي ذات الهزال والضعف الشديد، ورؤيا الملك التي عبَّرَها يوسف عليه السلام وكذاك رؤيا المسجونَين دليلٌ على أن الرؤيا الصادقة ليس من شرطِها الإيمان والإسلام، فهؤلاء لم يكونوا مُؤمِنِين ولا مُسلِمِين، والله أعلم.
﴿قَالُوۤاْ أَضۡغَـٰثُ أَحۡلَـٰمࣲۖ وَمَا نَحۡنُ بِتَأۡوِیلِ ٱلۡأَحۡلَـٰمِ بِعَـٰلِمِینَ﴾ اعتذار من مستشاري الملك أنهم لا يستطيعون تأويل رؤياه، وقولهم: ﴿أَضۡغَـٰثُ أَحۡلَـٰمࣲۖ﴾ أصل الأضغاث بقايا النبات وأعواده المختلطة، ويعنون به هنا أن الأحلام قد تختلط فيصعب تمييزها وتعبيرها.
﴿وَقَالَ ٱلَّذِی نَجَا مِنۡهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أُمَّةٍ﴾ هو الساقي الذي نجا من السجن، ونسي وصية يوسف له، لكنه عاد بعد زمنٍ طويلٍ فتذكّرها لما رآهم مشغولين برؤيا الملك.
﴿أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأۡوِیلِهِۦ فَأَرۡسِلُونِ﴾ آتيكم بتأويله، يعني أنه سيذهب إلى السجن ويستفتي فيها يوسف.
﴿یُوسُفُ أَیُّهَا ٱلصِّدِّیقُ﴾ الساقي يخاطب يوسف في السجن، والصدِّيق المتصف بكثرة الصدق.
﴿تَزۡرَعُونَ سَبۡعَ سِنِینَ دَأَبࣰا﴾ تستمرّون على الزراعة سبع سنين، في إشارة للبقرات السمان والسنبلات الخضر.
﴿فَمَا حَصَدتُّمۡ فَذَرُوهُ فِی سُنۢبُلِهِۦۤ﴾ يرشدهم إلى وسيلة لحفظ الحبوب، فالحب في سنبله أطول عمرًا وأكثر مقاومة، وفيه أيضًا توفير غذاء الأنعام، بخلاف ما لو خزنوا الحبّ وحده.
﴿إِلَّا قَلِیلࣰا مِّمَّا تَأۡكُلُونَ﴾ استثناء يفيد الحرص والادخار، فلا يخرجون الحبّ إلا عند الحاجة إلى الأكل.
﴿ثُمَّ یَأۡتِی مِنۢ بَعۡدِ ذَ ٰ⁠لِكَ سَبۡعࣱ شِدَادࣱ﴾ سبع سنين من القحط وانحباس المطر، وفيه إشارة للبقرات العجاف والسنبلات اليابسات.
﴿یَأۡكُلۡنَ مَا قَدَّمۡتُمۡ لَهُنَّ﴾ ينفد ما ادخرتموه من الحبوب، بسبب حاجة الناس المستمرة إلى الأكل مع انقطاع المورد إلا من المخزون، وفيه إشارة لأكل البقرات العجاف للسمان.
﴿وَفِیهِ یَعۡصِرُونَ﴾ الخمر، علامةٌ على وَفرة الطعام.
﴿مَا خَطۡبُكُنَّ﴾ الخَطْبُ هو الشأن المهم.
﴿إِذۡ رَ ٰ⁠وَدتُّنَّ یُوسُفَ عَن نَّفۡسِهِۦۚ﴾ نسب المراودة للجمع إشارة إلى وقوعه من غير امرأة العزيز أيضًا، ويُعضِّد هذا دعاؤه المتقدم: ﴿وَإِلَّا تَصۡرِفۡ عَنِّی كَیۡدَهُنَّ أَصۡبُ إِلَیۡهِنَّ﴾ وسؤال الملك للنسوة بهذه الصيغة مشعر أن الملك قال هذا بعد جمعه للمعلومات وتحققه من براءة يوسف.
﴿ٱلۡـَٔـٰنَ حَصۡحَصَ ٱلۡحَقُّ﴾ ظهر وتأكّد بعد لبسٍ وخفاءٍ.
﴿ذَ ٰ⁠لِكَ لِیَعۡلَمَ أَنِّی لَمۡ أَخُنۡهُ بِٱلۡغَیۡبِ﴾ اختلف المفسرون في نسبة هذا القول، والظاهر من السياق أنه كلامٌ مُتَّصِلٌ لامرأة العزيز، ومعناه أنها لم تَخُن يوسف في هذا الموضع، وهو موضعُ التحقيق في حضرة الملك؛ حيث شهِدَت بصِدقِه وبراءَتِه.
وفيه لمحة ظاهرة من الندم والحُنُوِّ على يوسف الذي كان قد تعلَّق قلبُها به، وهذه لحظاتٌ مُعتادة بعد مُضيِّ سنواتٍ طوال من العناد والظلم والمكابرة.
﴿۞ وَمَاۤ أُبَرِّئُ نَفۡسِیۤۚ إِنَّ ٱلنَّفۡسَ لَأَمَّارَةُۢ بِٱلسُّوۤءِ﴾ كلامها المتصل، وفيه اعترافٌ بذنبها، واعتذارٌ وندمٌ على ما بدَرَ منها، والله يغفر لنا ولها.